Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
جاء الحق تبارك وتعالى هنا بصفة { ٱلْعَزِيزُ … } [ الشعراء : 9 ] بعد أن قال { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 8 ] لنعلم أن الذين كفروا لم يكفروا رَغْماً عن الله ، إنما كفروا بما أودع الله فيهم من الاختيار . فهو سبحانه الذي أعانهم عليه لَمَّا أحبوه وأصروا عليه لأنه تعالى ربُّهم ، بدليل أنه تعالى لو تركهم مجبرين مرغمين ما فعلوا شيئاً يخالف منهج الله أبداً ، وبدليل أنهم مجبرون الآن على أشياء ومقهورون في حياتهم في مسائل كثيرة ، ومع ذلك لا يستطيع أحد منهم أن يخرج على شيء من ذلك . فمع إِلْفهم العناد والتمرد على منهج الله ، أيستطيع أحدهم أنْ يتأبَّى على المرض ، أو على الموت ، أو على الأقدار التي تنزل به ؟ أيختار أحد منهم يوم مولده مثلاً ، أو يوم وفاته ؟ أيختار طوله أو قوته أو ذكاءه ؟ لكن لما أعطاهم الله الصلاحية والاختيار اختاروا الكفر ، فأعانهم الله على ما أحبُّوا ، وختم على قلوبهم حتى لا يخرج منها كفر ، ولا يدخلها إيمان . وكلمة { ٱلْعَزِيزُ … } [ الشعراء : 9 ] تعني : الذي لا يُغلَب ولا يُقْهر ، لكن هذه الصفة لا تكفي في حقَّه تعالى لأنها تفيد المساواة للمقابل ، فلا بُدَّ أنْ نزيد عليها أنه سبحانه هو الغالب أيضاً . لذلك يقول سبحانه وتعالى : { وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ … } [ يوسف : 21 ] فالله تعالى عزيز يَغْلِب ولا يُغْلَب . ومثال ذلك قوله تعالى : { يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } [ الأنعام : 14 ] . وقوله تعالى : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ … } [ المؤمنون : 88 ] . ثم يذكر سبحانه بعدها صفة الرحمة ، فهو سبحانه مع عزته رحيم ، إنه تعالى رحيم حين يَغْلب ، ألم يتابع لهم الآيات ويَدْعُهم إلى النظر والتأمل ، لعلَّهم يثوبون إلى رُشْدهم فيؤمنوا ؟ فلما أصرُّوا على الكفر أمهلهم ، ولم يأخذهم بعذاب الاستئصال ، كما أخذ الأمم الأخرى حين كذَّبتْ رسلها . كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يُبلِّغون الدعوة ، ويُظهرون المعجزة ، فمَنْ لم يؤمن بعد ذلك يعاقبه الله ، كما قال سبحانه : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا … } [ العنكبوت : 40 ] . أمَّا أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى في شأنها : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] . وقال هنا : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [ الشعراء : 9 ] فالحق - تبارك وتعالى - في كل هذه الآيات يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويعطيه عبرةً من الرسل الذين سبقوه ، فليس محمد بِدْعاً في ذلك ، ألم يقل له ربه : { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] فالمسألة - إذن - قديمة - قِدَم الرسالات . لذلك ، يأخذنا السياق بعد ذلك إلى موكب النبوات ، فيذكر الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم طرفاً من قصة نبي الله موسى : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ … } .