Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونلحظ أن هنا تفاصيلَ وأحداث لم تذكرها الآية هنا ، وذُكِرَت في موضع آخر في قوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰمُوسَىٰ * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 17 - 18 ] . والأدب يقتضي أن يأتي الجواب على قَدْر السؤال ، لكن موسى - عليه السلام - أراد أنْ يطيل أمد الأُنْس بالله والبقاء في حضرته تعالى ، ولما أحسَّ موسى أنه أطال في هذا المقام أجمل ، فقال : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ } [ طه : 18 ] فللعصا مهام أخرى كثيرة في حياته . وهنا يقول سبحانه : { وَأَلْقِ عَصَاكَ … } [ النمل : 10 ] يعني : إنْ كانت العصا بالنسبة لك بهذه البساطة ، وهذه مهمتها عندك فلها عندي مهمة أخرى ، فانظر إلى مهمتها عندي ، وإلى ما لا تعرفه عنها . { وَأَلْقِ عَصَاكَ … } [ النمل : 10 ] فلمّا ألقى موسى عصاه وجدها { تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ … } [ النمل : 10 ] يعني : حية تسعى وتتحرك ، والعجيب أنها لم تتحول إلى شيء من جنسها ، فالعصا عود من خشب ، كان فرعاً في شجرة ، فجنسه النبات ولما قُطعت وجفَّتْ صارت جماداً ، فلو عادت إلى النباتية يعني : إلى الجنس القريب منها واخضرتْ لكانت عجيبة . أمّا الحق - تبارك وتعالى - فقد نقلها إلى جنس آخر إلى الحيوانية ، وهذه قفزة كبيرة تدعو إلى الدهشة بل والخوف ، خاصة وهي { تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ … } [ النمل : 10 ] أي : تتحرك حركة سريعة هنا وهناك . وطبيعي في نفسية موسى حين يرى العصا التي في يده على هذه الصورة أنْ يخاف ويضطرب { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 67 - 68 ] . ومعنى : { ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 68 ] إشارة إلى أنه تعالى يُعده لمهمة كبرى ، وأن لهذه العصا دوراً مع الخصوم ، وسوف ينتصر عليهم ، ويكون هو الأعلى . وحين تتتبع اللقطات المختلفة لهذه القصة تجدها مرة جان ومرة حية ومرة ثعبان ، وهي كلها حالات للشيء الواحد ، فالجان فَرْخ الثعبان ، وله مِن خفة الحركة ما ليس للثعبان ، والحية هي الثعبان الضخم . وقوله تعالى { وَلَّىٰ مُدْبِراً … } [ النمل : 10 ] يعني : انصرف عنها وأعطاها ظهره { وَلَمْ يُعَقِّبْ … } [ النمل : 10 ] نقول : فلان يُعقِّب يعني : يدور على عَقِبه ويرجع ، والمعنى أنه انصرف عنها ولم يرجع إليها لذلك ناداه ربه سبحانه وتعالى : { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ النمل : 10 ] . ونلحظ هنا نداءين اثنين يذكر فيهما ، المنادى موسى - عليه السلام - وكأنهما تعويض للنداء السابق الذي نُودِي فيه بالخبر { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا … } [ النمل : 8 ] . وعلَّة عدم الخوف { لاَ تَخَفْ … } [ النمل : 10 ] ليعلمه أنه سيُضطر إلى معركة ، فليكُنْ ثابتَ الجأْش لا يخاف لأنّه لا يحارب شخصاً بمفرده ، إنما جمعاً من السَّحرة جُمِعوا من كل أنحاء البلاد ، وسبق أنْ قال له : { إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 68 ] حتى لا تُرهبه هذه الكثرة . وهنا قال { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } [ النمل : 10 ] والمعنى : لا تخفْ ، لأني أنا الذي أرسلتُك ، وأنا الذي أتولّى حمايتك وتأييدك ، كما قال الحق سبحانه في موضع آخر : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . فأنت معذور في الخوف ، إنْ كنتَ بعيداً عني ، فكيف وأنت في جواري وأنا معك ، وها أنذا أخاطبك ؟ وكان إلقاء العصا من موسى هذه المرة مجرد تجربة بروفة ليألف هذه المسألة ويأنس إليها ، وتحدث له دُرْبة ورياضة ، فإذا ما أجرى هذه العملية أمام فرعون والسحرة أجراها بثقة وثبات ويقين من إمكانية انقلاب العصا إلى حية . وبعد ذلك يأتي بآية تثبت منطقة التكليف في البشر حتى الرسل ، والرسل أيضاً مُكلَّفون ، وكل مُكلَّف يصح أن يطيع أو أن يعصي ، لكن الرسلَ معصومون من المعصية ، أما موسى عليه السلام فله حادثة مخصوصة حين وكَز الرجل فسقط ميتاً ، فقال : { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ الشعراء : 14 ] . وفي موضع آخر يُحدِّد هذا الذنب : { قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ القصص : 33 ] . ونضع هذه القصة أمامنا لنفهم : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ … } .