Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 12-12)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذه آية أخرى ومعجزة جديدة ، قال عنها في موضع آخر : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ … } [ القصص : 32 ] . فما الفرق بين : أَدْخِل يدك ، واسْلُك يدك ؟ قالوا : لأنه ساعة يُدخِل يده في جيبه يعني : في فتحة القميص ، إنْ كانت فتحة القميص مفتوحة أدخل يده بسهولة فيُسمّى إدخال . فإن كانت مغلقة فيها أزرار مثلاً احتاج أنْ يسلك يده يعني : يُدخلها برفق ويُوسِّع لها مكاناً ، نقول : سلك الشيء يعني : أدخله بلُطْف ورِفْق ، ومنه السلك الرفيع حين تُدخِله في شيء . وساعةَ نسمع كلمة الجيب نجد أن لها معنىً عرفياً بين الناس ، ومعنى لُغوياً : فمعناها في اللغة فتحة القميص العليا ، والتي تكون للرقبة ، وهي في المعنى العُرْفي فتحة بداخل الثوب يضع فيها الإنسان نقوده ، يقولون جيب والعوام لهم عُذْر في ذلك لأنهم اضطروا إلى حِفْظ نقودهم داخل الثياب ، حتى لا تكون ظاهرة ، وربما سرقها منهم النشالون والأشقياء . ولا يزال الفلاحون في الريف يجعلون الجيب في السديري الداخلي لذلك سمعنا الحاوي مثلاً يقول - ليُحنِّن الناس عليه - بارك الله فيمَنْ يضع يده في جيبه - يعني : بارك الله في الذي يعطيني جنيهاً . وقوله تعالى { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ النمل : 12 ] أي : وأخرجها تخرج بيضاء ناصعة مُنوِّرة ، ومعلوم أن موسى - عليه السلام - كان آدمَ اللون يعني : أسمر ، فحين يروْنَ لونه تغيّر إلى البياض ، فربما قالوا : إن ذلك مرضٌ كالبرص مثلاً . لذلك أزال الله هذا الظنَّ بقوله : { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ النمل : 12 ] من غير مرض { فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ … } [ النمل : 12 ] ليعلم موسى - عليه السلام - أن هذه الآية واحدة من تسع آيات أخرى يُثبِّته الله بها أمام عدوه فرعون وقومه . وهذه التسع هي : العصا ولها مهمتان : أن تتحول إلى حية أمام السحرة ، وأنْ يضرب بها البحر أمام جيشه ، حينما يهاجمه فرعون وجنوده . ثم اليد ، واثنتان هما الجدب ، ونقص الثمرات في قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ … } [ الأعراف : 130 ] . ثم : الطوفان ، والجراد ، والقُمَّل ، والضفادع ، والدَّم . هذه تسع آيات . تُثبِّت موسى أمام فرعون وقومه . فهل أُرسل موسى - عليه السلام - إلى فرعون خاصة ؟ لا ، إنما أُرسِل إلى بني إسرائيل ، لكنه أراد أنْ يُقنع فرعون بأنه مُرْسَل من عند الله حتى لا يحول بينه وبينهم ، وجاءت مسألة دعوة فرعون إلى الإيمان بالله عَرَضاً في أحداث القصة ، فليست هي أساسَ دعوة موسى عليه السلام . ومعنى { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [ النمل : 12 ] إشارةً إلى أن الإنسان وإنْ كان كافراً خارجاً عن طاعة الله إلا أنَّ أصله من أصلاب مؤمنة ، والمراد الإيمان الأول في آدم عليه السلام ، وفي ذريته من بعده ، لكنهم فسقوا أي : خرجوا من غشاء التكليف الذي يُغلِّف حركة حياتهم ، كما نقول : فسقت الرطبة : يعني خرجت من غلافها ، كذلك فَسَق الإنسان أي : خرج عن حيِّز التكليف الصائن له . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا … } .