Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 15-15)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وتسأل : لقد أعطى الله داود وسليمان - عليهما السلام - نِعَماً كثيرة غير العلم ، أَلاَن لداود الحديد ، وأعطى سليمان مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، وسخَّر له الريح والجن ، وعلَّمه منطق الطير … إلخ ومع ذلك لم يمتنّ عليهما إلا بالعلم وهو منهج الدين ؟ قالوا : لأن العلم هو النعمة الحقيقية التي يجب أن يفرح بها المؤمن ، لا الملْك ولا المال ، ولا الدنيا كلها ، فلم يُعتد بشيء من هذا كله لذلك حمد الله على أن آتاه الله العلم لأنه النعمة التي يحتاج إليها كل الخَلْق ، أما المُلْك أو الجاه أو تسخير الكون لخدمته ، فيمكن للإنسان الاستغناء عنها . والإمام علي - كرم الله وجهه - حينما نُفِى أبو ذر لأنه كان يتكلم عن المال وخطره والأبنية ومسائل الدنيا ، فَنَفَوْه إلى الربذة حتى لا يثير فتنة ، لكنه قبل أن يذهب مرَّ بالإمام علي كي يتوسط له ليعفوا عنه ، لكن الإمام علياً - رضي الله عنه - أراد ألاَّ يتدخل في هذه المسألة حتى لا يقال : إن علياً سلَّط أبا ذر على معارضة أهل الدنيا ومهاجمتهم ، فقال له : يا أبا ذر إنك قد غضبتَ لله فارْجُ مَنْ غضبتَ له ، فإن القوم خافوك على دُنْياهم ومُلكهم ، وخِفْتهم أنت على دينك فاهرب بما خِفْتَهم عليه - يعني : اهرب بدينك - واترك ما خافوك عليه ، فما أحوجهم إلى ما منعتهم ، وما أغناك عَمَّا منعوك . هكذا أزال الإمام هذه الإشكال ، وأظهر أهمية العلم ومنهج الله بحيث لا يستغني عنه المسلم بحال من الأحوال ، ولا يعيش بدونه ، وبه ينال حياة أخرى رفيعة باقية ، في حين يستطيع الإنسان أن يعيش بدون المال وبدون الملك . ولذلك يبعث خليفة المسلمين إلى سيدنا جعفر الصادق : يا ابن بنت محمد صلى الله عليه وسلم ما لك لا تغشانا كما يغشانا الناس ؟ أي : تأتينا وتجالسنا وتسمر معنا ، فقال : ليس عندي من الدنيا ما أخافك عليه - يعني : ليس عندي مال تصادره - وليس عندك من الآخرة ما أرجوك له . وهذا نفس المنطق الذي تكلم به الإمام علي . وقوله تعالى : { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النمل : 15 ] فالحمد هنا على نعمة العلم وحِفْظ منهج الله ، وفي الآية مظهر من مظاهر أدب النبوة ، حيث قالا { فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ النمل : 15 ] فكأن هناك مَنْ هم أفضل مِنّا ، وليس التفضيل حَجْراً علينا ، وهذا من تواضعهما عليهما السلام . ثم يقول الحق سبحانه : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ … } .