Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله سبحانه : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ … } [ النمل : 16 ] أي : بقيتْ فيه النبوة وحمل المنهج ، لا الملك لأن الأنبياء لا تورث كما جاء في الحديث الشريف : " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " وهذا يدل على أن سليمان جاء بعد داود ، وقد ورث عنه النبوة مع أنهما متعاصران ، بدليل قوله تعالى في موضع آخر : { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } [ الأنبياء : 78 ] . إذن : كان سليمان مع داود في هذه الحكومة وفي العلم ، لكن الحق سبحانه جعل العلم منازل ، بدليل أنه قال : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ … } [ الأنبياء : 79 ] مع أن أباه موجود ، وحكم في القضية بأن يأخذ صاحبُ الزرع الغنم التي أكلت . فلما خرجوا من عند داود سألهم سليمان عن حكم أبيه ، فأخبروه بما قال ، فقال سليمان : بل يأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بها ، ويأخذ صاحب الغنم الزرع يصلحه حتى يعود كما كان ، وعندها يأخذ صاحب الغنم غنمه ، وصاحب الزرع زرعه . والحق - تبارك وتعالى - يعطينا هذا المثل مع نبي وأبيه ، لا مع نبيين مختلفين بعيدين ، وفي هذا إشارة أن حقّ الأبوة على سليمان لم يمنعه من مخالفة أبيه في الحكم لأن الله تعالى قال عنهما { وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً … } [ الأنبياء : 79 ] فكلٌّ منهما يحكم على مقتضى علمه الذي منحه الله . ومن هذه الحادثة أخذنا مشروعية الاستئناف والنقض في أحكام المحاكم ، فقاضي الاستئناف حينما يُعدِّل في حكم القاضي الابتدائي لا يُعَدُّ هذا طعْناً فيه ، إنما كل منهما حكم بناءً على علمه ، وعلى ما توفّر له من أدلة ووقائع ، وربما فطِن القاضي الثاني لما لم يفطِنْ له القاضي الأول . إذن : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ … } [ النمل : 16 ] لا تعني أنه جاء بعده ، إنما هما متعاصران ، وورثه في العلم والنبوة والحكمة ، لا في الملْك والمال لأن الله تعالى يريد أن يكون الرسول بعيداً في رسالته وتبليغه عن الله عن أيِّ نفع يجيء له ، أو لذريته . لذلك كان الفقراء من أهل النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذون من زكاة المؤمنين ، لكن أين هذا التشريع الحكيم مما يحدث الآن من الحكام والرؤساء والمسئولين ممَّنْ يوالون أقاربهم ، وينهبون البلاد من أجلهم . { وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ … } [ النمل : 16 ] فالطير له منطق ولغة لأنه كما قال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ … } [ الأنعام : 38 ] والآن ومع تقدُّم العلم يتحدث العلماء عن لغة للنمل ، ولغة للنحل ، ولغة للسمك … إلخ . وهذه المخلوقات تتفاهم بلغاتها بدقَّة تفاهم غريزي ، لكننا لا نفهم هذا المنطق ، والحق - تبارك وتعالى - يُعلِّمنا : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ … } [ الإسراء : 44 ] . فإنْ قلتَ كمَنْ قالوا : هو تسبيح دلالة لا منطقَ ومقال ، نقول : طالما أن الله تعالى قال { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ … } [ الإسراء : 44 ] فلا بُدَّ أنه مقال وكلام ، ولكن أنت لا تفهمه . وعلماء اللغة يقولون : إن النطق خاصٌّ بالإنسان ، أما ما تُحدثه الحيوانات والطيور فأصوات تُحدِثها في كل وقت ، مثل مواء القطة ، ونُباح الكلب ، وخُوَار البقر ونقيق الضفادع ، لكن هذه الأصوات لها معنى فنونوه القطة حين تجوع غير نونوتها حين تخاف . إذن : فهي تُعبِّر ، لكننا لا نعرف هذه التعبيرات ، كيف ونحن البشر لا يعرف بعضنا لغات بعض لأننا لم نتعلمها ، وللغة ضرورة اجتماعية نتواضع عليها أي : نتفق أن هذا اللفظ يعني كذا ، فإذا نطقتَ به أفهمك ، وإن نطقتُ به تفهمني . واللغة بنت الاستماع ، فاللفظ الذي تسمعه تستطيع نُطْقه ، والذي لم تسمعه لا تستطيع نُطْقه ، حتى لو كان لفظاً عربياً من لغتك ، ولا تعرف أيضاً معناه ، فلو قلت لك : إنما الحيزبون و الدردبيس والطخا والنخالح والعصلبيص فلا شكَّ أنك لا تعرف لهذا معنى لأننا لم نتواضع على معناه . والطفل الذي نشأ في بيئة عربية يتكلم العربية لأنه سمعها ولا يتكلم الإنجليزية مثلاً : لأنه لم يسمعها ، ولو وضعتَ نفس الطفل في بيئة إنجليزية لتكلم الإنجليزية لأن اللغة لا ترتبط بجنس ولا دم ، اللغة سماع . ومعنى { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ … } [ النمل : 16 ] أي : من النِّعَم على الإطلاق ، وبعد قليل سنسمع نفس هذه العبارة يقولها الهدهد عن ملكة سبأ { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ … } [ النمل : 23 ] إذن : فهي مثله فيما يناسب أمثالها من الملوك لا في النبوة وحَمْل المنهج { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } [ النمل : 16 ] الفضل المحيط بكل الفضائل . ثم يقول الحق سبحانه : { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ … } .