Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الضمير في { أَتَوْا … } [ النمل : 18 ] يعود على جنود سليمان من الإِنس والجن والطير ، أي : جاءوا جميعاً صَفَّاً واحداً ومرُّوا { عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ … } [ النمل : 18 ] يعني : قرية النمل ، وقوله { عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ … } [ النمل : 18 ] يدلُّ على أنهم جاءوا من أعلى الجبل ، أو أنهم قطعوا الوادي كله ، كما نقول : فلان أتى على الطعام كله . عندها { قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ … } [ النمل : 18 ] لماذا هذا التحذير ؟ { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ … } [ النمل : 18 ] ثم احتاطتْ النملة للأمر ، فقالت { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ النمل : 18 ] فما كان سليمان وجنوده ليُحطِّموا بيوت النمل عن قَصْد منهم . والمعنى : حالة كونهم لا يشعرون بكم ، وهذا من عدالة حكمها ومعرفتها بسليمان ، وأنه ليس جباراً ولا عاتياً . إذن : فالنملة رأتْ عن بُعْد ، ونطقتْ عن حق ، وحكمتْ بعدل ، لهذا كله تبسَّم سليمان ضاحكاً . وواضح في هذا القول ما تتميز به مملكة النمل من نظام يعرف فيه كُلٌّ مهمته ، ويؤديها على أكمل وجه ، فهذه النملة لا بُدَّ أنها كانت تقوم بمهمة الحراسة وتقف في الدَّرَك ، ترقب الجو من حولها ، وكأنها جندي الدورية اليقظ . وسبق أن قُلْنا : لو أنك جلستَ في مكان ، وتركتَ فيه بعض فضلات الطعام مثلاً أو الحلوى لرأيتَ بعض النمل يدور حولها دون أنْ يقربها ، ثم انصرفوا عنها ، وبعد مدة ترى جماعة منهم جاءت وحملت هذه القطعة ، وكأن الجماعة الأولى أفراد الاستطلاع الذين يكتشفون أماكن الطعام ، ويُقدِّرون كم نملة تستطيع حمل هذا الشيء . بدليل أنك لو ضاعفتَ القطعة الملقاة لرأيتَ عدد النمل الذي جاء لحملها قد تضاعف هو أيضاً . ولو قتلتَ النمل الأول الذي جاء للاستطلاع تلاحظ أن النمل امتنع عن هذا المكان ، لماذا ؟ لأن النملة التي نجتْ من القتل ذهبت إلى مملكتها ، وحذَّرتهم من هذا المكان . وفي مملكة النمل عجائب وآيات ، سبحان خالقها ، وسبحان مَنْ هداها إلى هذه الهندسة المحكومة بالغريزة . ومن عجائب النمل أنك ترى في عُشِّ النمل الحبوب مفلوقة إلى نصفين حتى لا تنبت ، وتهدم عليهم عُشَّهم ، لكن حبَّة الكُسْبرة مثلاً تنبت حتى لو انفلقتْ نصفين ، حيث ينبت كل نصف على حِدَة ، لذلك لاحظوا أن النمل يفلق هذه الحبة بالذات إلى أربعة أقسام . كما لاحظ المهتمون بدراسة النمل وجود حبات بيضاء صغيرة مثل رأس الدبوس أمام أعشاش النمل ، وبفحصها تبيَّن أنها زريعة النبات التي تحمل خلايا الإنبات أخرجوها كي لا تنبت . وصدق الله العظيم : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ … } [ الأنعام : 38 ] . وقد سمَّى الله تعالى ما قالت النملة قولاً { قَالَتْ نَمْلَةٌ … } [ النملة : 18 ] ولابُدَّ أن هذا التحذير { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ . . } [ النملة : 18 ] جاء قبل أنْ يأتي سليمان وجنوده ، وهم على مشارف الوادي . وكلمة { مَسَاكِنَكُمْ … } [ النمل : 18 ] تدل على أن لهم بُيوتاً ومساكنَ ، ومجالَ معيشة ، وكسْبَ أرزاق ، كما نقول بيلقّطوا رزقهم من هنا ومن هناك لذلك تجده يتتبع مواضع الطعام والفضلات ، ويدخل إليها من أضيق الأماكن ، لكن نرى مثلاً محلات الحلوى مليئة بالسكر الذي يعشقه النمل ، ومع ذلك لا نجد في هذه المحلات نملة واحدة ، لماذا ؟ لما تتبَّعوا هذه الظاهرة بالدراسة وجدوا أن النمل لا يدخل المكان إذا كان به سِمْسم ، وهذه من عجائب النمل أيضاً . وقوله تعالى : { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ … } [ النمل : 18 ] الحَطْم هو التكسير ، ومنه قوله سبحانه عن النار : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } [ الهمزة : 5 ] لأنها تحطم ما يُلْقى فيها .