Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تبسَّم سليمان - عليه السلام - بالبسمة التي تتصل بالضحك لماذا ؟ لأنه سمعها قبل أنْ يصل إليها ، ولأنها رأتْ قبل أن يأتي المرئي ، وقد تكلم البعض في هذه المسألة فقالوا : إن الريح نقلتْ إليه مقالة النملة ، وهو ما يزال بعيداً عنها ، وهذا الكلام يُقبل لو أن المسألة ميكانيكا إنما هي عمل رب وقدرة خالق مُنعِم ينعم بما يشاء . ونطق قائلاً { رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ … } [ النمل : 19 ] أي : امنعني أنْ أغفل ، أو أنْ أنسى هذه النِّعم ، فأظل شاكراً حامداً لك على الدوام لأن هذه النعَم فاقتْ ما أنعمت به على عامة الخَلْق ، وفوق ما أنعمتُ به على إخواني من الأنبياء السابقين ، وعلى كل ملوك الدنيا لأنه عليه السلام جمع بين الملْك والنُّبوة ، وإنْ كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليه الملْك فرفضه ، وآثر أن يكون عبداً رسولاً . لذلك وجب على كل صاحب نعمة أنْ يستقبلها بحمد الله وشكْره ، وسبق أنْ قُلْنا في قوله تعالى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] أن حق النعمة أن تحمد المنعم عليها ، فلا تُسأل عنها يوم القيامة . وما أشبه الحمد على النعمة بما يُسمُّونه عندنا في الريف الرقوبة ، وهي بيضة تضعها ربَّة المنزل في مكان أمين يصلح عُشَّا يبيض فيه الدجاج ، فإذا رأتْ الدجاجة هذه البيضة جاءتْ فباضتْ عليها ، وهكذا شكر الله وحمده على النعم هو النواة التي يتجمع عليها المزيد من نِعَم الله . وقد شُرح هذا المعنى في قوله سبحانه : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ … } [ إبراهيم : 7 ] ألاَ ترى أن مَنْ علم علماً فعمل به أورثه الله علم ما لم يعلم ؟ لماذا ؟ لأنه ما دام عمل بعلمه ، فهو مُؤْتمن على العلم لذلك يزيده الله منه ويفتح له مغاليقه ، على خلاف مَنْ عَلِم علماً ولم يعمل به ، فإنَّ الله يسلبه نور العلم ، فيغلق عليه ، وتصدأ ذاكرته ، وينسى ما تعلَّمه . والحق - تبارك وتعالى - يقول : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ … } [ لقمان : 12 ] أي : تعود عليه ثمرة شُكْره لأنه إنْ شكر الله بالحمد شكره الله بالزيادة لذلك من أسمائه تعالى الشكور . وقوله : { عَلَيَّ … } [ النمل : 19 ] هذه خصوصية { وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ … } [ النمل : 19 ] لأنه ورث عنهما الملْك والنبوة { وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ … } [ النمل : 19 ] وهذا ثمن النعمة أن أؤدي خدمات الصلاح في المجتمع لأكون مُؤْتمناً على النعمة أهْلاً للمزيد منها . والحق - تبارك وتعالى - يريد منَّا أنْ نُوسِّع دائرة الصلاح ودائرة المعروف في المجتمع ، أَلاَ ترى إلى قوله سبحانه : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً … } [ البقرة : 245 ] . فسمَّى الخير الذي تقدمه قَرْضاً ، مع أنه سبحانه واهب كل النِّعم ، وذلك لِيُحنِّن قلوب العباد بعضهم على بعض لأنه تعالى خالقهم ، وهو سبحانه المتكفِّل برزقهم . ثم يقول : { وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النمل : 19 ] وذكر الرحمة والفضل لأنهما وسيلة النجاة ، وبهما ندخل الجنة ، وبدونهما لن ينجو أحد ، واقرأ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله . قالوا : ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : ولا أنا إلا أنْ يتغمّدني الله برحمته " . ويقول سبحانه في هذا المعنى : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ … } [ يونس : 58 ] فالمؤمن الحق لا يفرح بعمله ، إنما يفرح إنْ نال فَضْلَ الله ورحمته ، كأنه يقول لربه : لن أتكل يا رب على عملي ، بل فضلك ورحمتك هما المتكل ، لأنني لو قارنتُ العبادة التي كلفتني بها بما أسدْيتَ إليَّ من نِعَم وآلاء لَقصُرَتْ عبادتي عن أداء حقِّك عليَّ ، فإنْ أكرمتني بالجنة فبفضلك . والبعض يقولون : كيف يعاملنا ربنا بالفضل والزيادة ، ويُحرِّم علينا التعامل بالربا ؟ أليست الحسنة عنده بعشرة أمثالها أو يزيد ؟ نقول : نعم ، لكن الزيادة هنا منه سبحانه وتعالى وليستْ من مُسَاو ، إنها زيادة ربٍّ لعبيد . وقوله { فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [ النمل : 19 ] دليل على تواضع سيدنا سليمان - عليه السلام - فمع مكانته ومنزلته يطلب أنْ يُدخِله الله في الصالحين ، وأن يجعله في زمرتهم ، فلم يجعل لنفسه مَيْزةً ولا صدارة ولا ادَّعى خيرية على غيره من عباد الله ، مع ما أعطاه الله من الملْك الذي لا ينبغي لأحد من بعده . وأعطاه النبوة وحمَّله المنهج ، فلم يُورثه شيء من هذا غروراً ولا تعالياً ، وها هو يطلب من ربه أن يكون ضمن عباده الصالحين ، كما نقول زقني مع الجماعة دول ، حين تكون السيارة مثلاً كاملة العدد ، وليس لي مقعد أجلس عليه . مَنْ يقول هذا الكلام ؟ إنه سليمان بن داود - عليهما السلام - الذي آتاه الله مُلْكاً ، لا ينبغي لأحد من بعده ، ومع ذلك كان يُؤثِر عبيده وجنوده على نفسه ، وكان يأكل الردة من الدقيق ، ويترك النقي منه لرعيته . إذن : لم ينتفع من هذا الملْك بشيء ، ولم يصنع لنفسه شيئاً من مظاهر هذا الملك ، إنما صنعه له ربه لأنه كان في عَوْن عباد الله ، فكان الله في عَوْنه ، وأنت حين تُعين أخاك تُعينه بقدرتك وإمكاناتك المحدودة ، أما معونة الله تعالى فتأتي على قَدْر قوته تعالى ، وقدرته وإمكاناته التي لا حدودَ لها ، إذن : فأنت الرابح في هذه الصفقة .