Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 22-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { فَمَكَثَ … } [ النمل : 22 ] أقام واستقر { غَيْرَ بَعِيدٍ … } [ النمل : 22 ] مدة يسيرة ، فلم يتأخر كثيراً لأنه يعلم أنه تخلّف عن مجلس سليمان ، وذهب بدون إذنه لذلك تعجَّل العودة ، وما إنْ وصل إليه إلا وبادره { فَقَالَ … } [ النمل : 22 ] بالفاء الدالة على التعقيب لأنه رأى سليمان غاضباً مُتحفِّزاً لمعاقبته . لذلك بادره قبل أنْ ينطق ، وقبل أنْ ينهره { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ … } [ النمل : 22 ] أي : عرفتُ ما لم تعرف - هذا الكلام مُوجَّه إلى سليمان الذي ملَك الدنيا كلها ، وسخَّر الله له كل شيء لذلك ذُهل سليمان من مقالة الهدهد وتشوَّق إلى ما عنده من أخبار لا يعرفها هو . ثم يستمر الهدهد : { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } [ النمل : 22 ] . أولاً : نقف عند جمال التعبير في سبأ ونبأ ، فبينهما جناس ناقص ، وهو من المحسّنات البديعية في لغتنا ، ويعطي للعبارة نغمة جميلة تتوافق مع المعنى المراد ، والجناس أن تتفق الكلمتان في الحروف ، وتختلفا في المعنى ، كما في قول الشاعر : @ رَحَلْتُ عَنِ الدِّيَارِ لكُم أَسِيرُ وَقَلْبي في محبتكُمْ أَسير @@ وقَوْل الآخر : @ لَمْ يَقْضِ مِنْ حقِّكم عَليَّ بَعْضَ الذي يَجِبُ قَلْبٌ متَى مَا جَرَت ذِكْرَاكُمُ يَجِبُ @@ ومن الجناس التام في القرآن الكريم : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ … } [ الروم : 55 ] . فالتعبير القرآني { وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ … } [ النمل : 22 ] تعبير جميل لفظاً ، دقيق مَعنىً ، أَلاَ تراه لو قال وجئتك من سبأ بخبر لاختلَّ اللفظ والمعنى معاً لأن الخبر يُرَاد به مُطلْق الخبر ، أمّا النبأ فلا تُقال إلا للخبر العجيب الهام الملفِت للنظر ، كما في قوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] . والجناس لا يكون جميلاً مؤثراً إلا إذا جاء طبيعياً غير مُتكلّف ، ومثال ذلك هذا الجناس الناقص في قوله تعالى : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] فقد ورد اللفظ المناسب مُعبِّراً عن المعنى المراد دون تكلّف ، فالهُمَزة هو الذي يعيب بالقول . واللمزة : الذي يعيب بالفعل ، فالقرآن لا يتصيَّد لفظاً ليُحدِث جناساً ، إنما يأتي الجناس فيه طبيعياً يقتضيه المعنى . ومن ذلك في الحديث الشريف : " الخيْل معقود بنواصيها الخير " فبيْن الخيل والخير جناس ناقص ، مُحسِّناً للفظ ، مؤدّياً للمعنى . وقد يأتي المحسِّن البديعي مُضطرباً مُتكلَّفاً ، يتصيده صاحبه ، كقول أحدهم ينحت الكلام نحتاً فيأتي بسجع ركيك : في أثناء ما كنا نسير نزل المطر كأفواه القِرَب ، فوقع رجل كان يحمل العنب . ومعنى { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ … } [ النمل : 22 ] الإحاطة : إدراك المعلوم من كل جوانبه ، ومنه البحر المحيط لاتساعه ، ويقول سبحانه : { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً } [ النساء : 126 ] ومنه : الحائط يجعلونه حول البستان ليحميه ويُحدِّده ، ومنه : يحتاط للأمر . ومحيط الدائرة الذي يحيط بالمركز من كل ناحية إحاطة مستوية بأنصاف الأقطار . لكن أَيُعَدُّ قول الهدهد لسليمان { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ … } [ النمل : 22 ] نقصاً في سليمان عليه السلام ؟ لا ، إنما يُعَدُّ تكريماً له لأن ربه - عز وجل - سخَّر له مَنْ يخدمه ، وفَرْق بين أن تفعل أنت الشيء وبين أن يُفعل لك ، فحين يفعل لك ، فهذه زيادة سيادة ، وعُلًُو مكانة . كما أن الله تعالى يُعلِّمنا ألاَّ نكتم مواهب التابعين ، وأن نعطي لهم الفرصة ، ونُفسِح لهم المجال ليُخرجوا مواهبهم ، وأن يقول كل منهم ما عنده حتى لو لم نكُنْ نعرفها لأنها خدمة لي . أليس من الكرامة أن يُحضر سليمان عرش بلقيس وهو في مكانه { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … } [ النمل : 40 ] . ونلحظ أن الهدهد لم يُعرِّف سبأ ما هي ، وهذا دليل على أن سليمان - عليه السلام - يعرف سبأ ، وما فيها من ملك ، إنما لا يعرف أنه بهذه الفخامة وهذه العظمة . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ … } .