Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 21-21)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ومعاقبة المخالف أمر ضروري لأن أيَّ مخالفة لا تُقابل بالجزاء المناسب لابُدَّ أن تثمر مخالفات أخرى متعددة أعظم منها ، فحين نرى موظفاً مُقصِّرًا في عمله لا يحاسبه أحد ، فسوف نكون مثله ، وتنتشر بيننا الفوضى والتكاسل واللامبالاة ، وتحدث الطَّامة حينما يُثاب المقصر ويُرَقى مَنْ لا يستحق . لذلك توعَّد سليمان الهدهد : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ … } [ النمل : 21 ] . وقد تكلَّم العلماء في كيفية تعذيب الهدهد ، فقالوا : بنتف ريشه الجميل الذي يزهوا به بين الطيور ، حتى يصير لحماً ثم يُسلط عليه النمل فيلدغه ، أو يجعْله مع غير بني جنسه ، فلا يجد لها إلفاً ولا مشابهاً له في حركته ونظامه ، أو : أنْ يُكلِّفه بخدمة أقرانه من الهداهد التي لم تخالف ، أو : أجمعه مع أضداده ، وبعض الطيور إذا اجتمعتْ تنافرتْ وتشاجرتْ ، ونتف بعضها ريش بعض لأنهم أضداد لذلك قالوا : أضيق من السجن عِشْرة الأضداد . والشاعر يقول : @ وَمِنْ نكَدِ الدُّنْيا عليَ المرْءِ أنْ يرى عَدُواً لَهُ مَا مِنْ صَدَاقَته بُدُّ @@ ثم رقَّى الأمر من العذاب الشديد إلى الذبح ، وهذه المسألة أثار حولها المتمردون على منهج الله والذين يريدون أنْ يُعدِّلوا على الله أحكامه ، أثاروا إشكالاً حول قوله تعالى في حَدِّ الزنا : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ … } [ النور : 2 ] أما الرَّجْم فلم يَرِدْ فيه شيء ، فمن أين أتيتم به ؟ نقول أتينا به أيضاً من كتاب الله ، حيث قال سبحانه في جَلد الأمَة إنْ زنتْ وهي غير محْصنة : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ … } [ النساء : 25 ] فقالوا : وكيف نُنصِّف حدَّ الرجم ؟ وهذا القول منهم دليل على عدم فهمهم لأحكام الله . فالمعنى { فَعَلَيْهِنَّ … } [ النساء : 25 ] أي : على الإماء الجواري { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَاتِ … } [ النساء : 25 ] الحرائر ، ولم يسكت إنما خصص التنصيف هنا بالجَلْد ، فقال : { مِنَ ٱلْعَذَابِ … } [ النساء : 25 ] فتجلد الأَمَة خمسين جلدة ، وهذا التخصيص يدلُّ على أن هناك عقوبة أخرى لا تُنصف هي الرجْم . وينتهي تهديد سليمان للهدهد بقوله { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ النمل : 21 ] أي : حجة واضحة تبرر غيابه ، فنفهم من الآية أن المرؤوس يجوز له أنْ يتصرف برأيه ، ودون أن يأخذ الإذن من رئيسه إنْ رأى مصلحة للجماعة لا تستدعي التأخير . وعلى الرئيس عندها أن يُقدِّر لمرؤوسيه اجتهاده ، ويلتمس له عذراً ، فلعله عنده حجة أحمده عليها بل وأكافئه لأن وقت فراغه مني كان في مصلحة عامة ، كما نقول في العامية الغايب حجته معاه . إذن : المرؤوس إنْ رأى خيراً يخدم الفكر العام ، ووجد أن فرصته ضيقة يسمح له بالتصرف دون إذن ، وفي الحرب العالمية الأولى تصرّف أحد القادة الألمان تصرُّفاً يخالف القواعد الحربية ، لكنه كان سبباً في النصر لذلك أعطوه وسام النصر ولم ينسُوا أنْ يُعاقبوه على مخالفة القواعد والقانون . ثم يقول الحق سبحانه : { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ … } .