Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

المؤمنون هم أصحاب عقيدة الإيمان ، وهو أن تؤمن بقضية الحق الواحد الإله المختار الفاعل الذي له صفات الكمال ، تؤمن بها حتى تصير عقيدة في نفسك ثابتة لا تتزعزع ، والإيمان اعتقاد بالقلب ، وقَوْل باللسان ، وعمل بالجوارح ، فلا يكفي النطق باللسان ، إنما لابد من أداء تكاليف الإيمان ومطلوباته ، وقمتها إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة وصَوْم رمضان ، والحج . فالصلاة دعوة من الله لخَلْقه ، دعوة من الصانع للمصنوع ، فربُّك يستدعيك إلى حضرته ، وكيف بالصَّنْعة إذا عُرِضَتْ على صانعها كل يوم خمس مرات ، ومع ذلك نرى مَنْ يُقدِّم العمل على الصلاة ، وإذا سمع النداء قال عندي أعمال ومشاغل ، إياك أنْ تظن أن الصلاة تعطيل للمصالح ، أو إضاعة للوقت لأنك في حركة حياتك مع نِعَم الله وفي الصلاة مع الله . ونقيس هذه المسألةَ - ولله المثل الأعلى - لو أن أباك ناداك فلم تُجبه ، ماذا يفعل بك ؟ فلا يكُنْ ربُّك أهونَ عليك من أبيك ، ربك يناديك : الله أكبر يعني : أكبر من العمل ، وأكبر من كل شيء يشغلك عن تلبية ندائه . وفي الصلاة نأخذ شحنة إيمانية تُقوِّينا على حركة حياتنا ، كما لو ذهبتَ ببطارية السيارة مثلاً لجهاز الشحن أتقول : إنك عطلتَ البطارية ؟ ولو حسبنا الوقت الذي تستغرقه الصلوات الخمس لوجدناه لا يتعدّى ساعة من الأربع والعشرين ساعة ، فلا تضن على نفسك بها لتلتقي بربك ، وتقف بين يديه ، وتعرض نفسك عليه ، فيصلح فيك ما أفسدته حركة الحياة ويعطيك المدد والعون والشحنة الإيمانية التي تدفعك إلى حركة منسجمة مع الحياة والكون من حولك . وإنْ كان مهندس الآلة يُصلحها بشيء مادي ، فربُّك - عز وجل - غَيْب ، فيصلحك بالغيب ، ومن حيث لا تدري أنت ، لذلك كانت الصلاة في قمة مطلوبات الإيمان . فإنْ كانت الصلاة لإصلاح النفس ، فالزكاة لإصلاح المال لذلك تجد دائماً أن الصلاة مقرونة بالزكاة في معظم الآيات ، وإنْ كان المال نتيجة العمل ، والعمل فرع الوقت ، فإن الصلاة تأخذ الوقت ، والزكاة تأخذ نتيجة الوقت ، الزكاة تأخذ 2 . 5 % أمّا الصلاة فتأخذ الوقت نفسه يعني بنسبة 100 % . ومع ذلك لا نقول : إن الصلاة أضاعتْ الوقت ، لأن الشحنة التي تأخذها في الصلاة تجعلك تنجز العمل الذي يستغرق عدة ساعات في نصف ساعة ، فتعطيك بركة في الوقت . وسبق أن قلنا : إن نداء الله أكبر يعني : أن لقاء الله أكبر من أي شيء يشغلك مهما رأيته كبيراً لأنه سبحانه واهب البركة ، وواهب الطاقة ، وإنْ كان العمل والسَّعْي في مناكب الأرض مطلوباً ، لكن الصلاة في وقتها أَوْلَى . وحين نتأمل أطول الأوقات بين كل صلاتين نجد أنها من الصبح حتى الظهر ، وهو الوقت المناسب للعمل ، ومن العشاء حتى الصبح ، وهو الوقت المناسب للنوم ، وهكذا تُنظِّم لنا الصلاة حياتنا ، فمِنْ صلاة الصبح إلى صلاة الظهر سبع ساعات هي ساعات العمل . لو أن الأمة الإسلامية تمسَّكتْ بشرعها ومنهج ربها ، وبعد هذه الساعات السبع التي تقضيها في عملك ، أنت حر بعد صلاة الظهر ، أمّا التخصيص الذي طرأ على حركة الحياة فقد اقتضى أنْ يأتي صلاة الظهر بل والعصر والناس ما يزالون في أعمالهم . أما الذين يُؤخرون الصلاة عن وقتها بحجة امتداد الوقت بين الصلاتين ، نعم الوقت ممتدٌّ ، لكن لا يجوز لك تأخير الصلاة ، ولبيان هذه المسألة نقول : هَبْ أن غنياً مستطيعٌ للحج ، ولم يحج متى يأثم . يأثم إذا ما غَرَّه طول الأمل ، ثم عاجله الموت قبل أنْ يحجَّ ، فإنْ أمهله العمر حتى يحج ، فقد سقط عنه هذا الفرض ، لكن مَنْ يضمن له البقاء إلى أنْ يؤدي هذه الفريضة . لذلك ورد في الحديث : " حُجُّوا قبل ألاَّ تَحجُّوا " . كذلك الحال في وقت الصلاة ، فهو ممتد ، لكن مَنْ يضمن لك امتداده لذلك تارك الصلاة يأثم في آخر لحظة من حياته ، فإنْ ظلَّ إلى أنْ يصلي فلا شيء عليه . إذن : لا تتعلَّل بطول الوقت لأن طول الوقت جعله الله لحكمه ، لا لنأخذه ذريعة لتأخير الصلاة عن وقتها ، طول الوقت بين الصلوات جُعِل للنائم كي يستيقظ ، أو للناسي كي يتذكّر . ثم يقول سبحانه { وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [ النمل : 3 ] . فالآية جمعتْ أمر المؤمن كله ، بداية من العقيدة والإيمان بالله ، ثم الصلاة ، فالزكاة وهما المطلبان العمليان بين إيمانين : الإيمان الأول بالله ، والآخر أنْ يؤمن بالآخرة وبالجزاء والمرجع والمصير . وقوله { يُوقِنُونَ } [ النمل : 3 ] الإيقان : الحكم بثبات الشيء بدون توهُّم شكٍّ لذلك قلنا : إن العلم أنْ تعرف قضية واقعة وتقول ، إنها صدق وتُدلِّل عليها . وقلنا : إن اليقين درجات علم اليقين ، وعين اليقين ، وحقُّ اليقين ، فمثلاً حين أقول لك : إنني رأيتُ في أحد البلاد أصبع الموز نصف متر ، وأن تثق فيَّ ولا تكذبني ، فهذا علم يقين ، فإنْ رأيته ، فهذا عَيْن اليقين ، فإن أخذته وذهبتَ تقطعه مثلاً ، وتوزعه على الحاضرين فهذا حقُّ اليقين . وهذه الدرجة لا يمكن أن يتسرَّب إليها شكٌّ . لذلك لما " سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الحارث بن مالك الأنصاري : " كيف أصبحتَ " ؟ قال : أصبحتُ بالله مؤمناً حقاً ، قال " فإنّ لكل حَقٍّ حقيقة ، فما حقيقة إيمانك ؟ " قال : عزفَتْ نفسي عن الدنيا ، فاستوى عندي ذهبها ومدرها ، وكأنِّي أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يُنعَّمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " عرفت فالزم " . والإمام على - رضي الله عنه - يعطينا صفة اليقين في قوله : لو كُشِف عني الحجاب ما ازددتُ يقيناً لأني صدقت بما قال الله ، وليست عيني أصدق عندي من الله . ومن هذا اليقين ما ذكرنا في قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلِد في هذا العام ، فلم يَرَ هذه الحادثة ، فالمعنى : ألم تعلم ، وعدل عن تعلم إلى ترى ليقول النبي صلى الله عليه وسلم أن إخبار الله لك أقوى صِدْقاً من رؤية عينيك .