Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هؤلاء في مقابل الذين آمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لأن الحق - تبارك وتعالى - يعرض الشيء ومقابله لنُجري نحن مقارنة بين المتقابلات ، وفي هؤلاء يقول تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ … } [ النمل : 4 ] . ولم يَنْفِ عنهم إقامة الصلاة أو إيتاء الزكاة ، لماذا ؟ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله ، ولا بالبعث والحساب ، ولو علموا أنهم سيرجعون إلى الله لآمنوا به ، ولَقدَّموا العمل الصالح . ومعنى { زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ … } [ النمل : 4 ] أن الذين لا يؤمنون بالله ، ولا يؤمنون بالآخرة ، ولا يُؤدُّون مطلوبات الإيمان لا عُذْرَ لهم لأننا حينما عرضنا الإيمان ومطلوباته عرضناه عَرْضاً جيداً مُستميلاً مُشوِّقاً وزيَّناه لكم . فالصلاة لقاء بينك وبين ربك يعبر عن دوام الولاء ، ويعطيك شحنة إيمانية ، والزكاة تُؤمِّنك حين ضعفك وعدم قدرتك ، فنأخذ منك وأنت غني لنعطيك إنْ حَلَّ بك الفقر ، ولما نهيناك عن الكذب نهينا الناس جميعاً أن يكذبوا عليك ، ولما حذَّرناك من الرشوة قلنا للآخرين : لا تأكلوا ماله دون وَجْه حقٍّ … إلخ . وهكذا شرحنا التكاليف وبيَّنا الحكمة منها ، وحبّبناها إليكم . أو : يكون المعنى : زيّنّا لهم أعمالهم التي يعملونها ، فلما عَلم الله عشْقهم للضلال وللانحراف ختم على قلوبهم ، يقول تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً … } [ فاطر : 8 ] . لكن مَنِ الذي زيَّن لهم : { فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ … } [ النحل : 63 ] فالتزيين يأتي مرة من الشيطان ، ومرة مجهول الفاعل ، ومرة زيَّن الله لهم . ومن تزيين الله قوله تعالى في شأن فرعون : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ … } [ يونس : 88 ] فلما أعطاهم الله النعمة فُتِنوا بها . وإبليس خلقه الله ، وجعل له ذرية تتسلَّط على الناس ، وتُغْويهم ، وما ذلك إلا للاختبار ليرى مَنْ سيقف على هذه الأبواب ، إذن : الحق - تبارك وتعالى - لم يجعل حواجز عن المعصية ، وجعل لكم دوافع على الطاعة ، فالمسألة منك أنتَ ، فإنْ رأيتُك مِلْتَ إلى شيء وأحببته أعنْتُكَ عليه . والذي يموت له عزيز ، أو المرأة التي يموت ولدها ، فتظل حزينة عليه تُكدِّر حياتها وحياة مَنْ حولها - ويا ليت هذا يفيد أو يُعيد الميت - ونقول لمن يستقبل قضاء الله بهذا السُّخْط : إن ربك حين يعلم أنك أَلِفْتَ الحزن وعشقْته وهو رب ، فلا بُدَّ أن يعطيك مطلوبك ، ويفتح عَليك كل يوم باباً من أبوابه . إذن : ينبغي على مَنْ يتعرَّض لمثل هذا البلاء أنْ يستقبله بالرضا ، وإنْ يغلق باب الحزن ، ولا يتركه موارباً . ومن التزيين قوله سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . ومعنى { يَعْمَهُونَ } [ النمل : 4 ] يتحيرون ويضطربون ، لا يعرفون أين يذهبون ؟