Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 40-40)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الطرف : الجِفْن الأعلى للعين . تكلم العلماء في هذه الآية : أولاً : قالوا { ٱلْكِتَابِ … } [ النمل : 40 ] يُراد به اللوح المحفوظ ، يُعلم الله تعالى بعض خَلْقه أسراراً من اللوح المحفوظ ، أما الذي عنده علم من الكتاب فقالوا : هو آصف بن برخيا ، وكان رجلاً صالحاً أطلعه الله على أسرار الكون . وقال آخرون : بل هو سليمان عليه السلام ، لما قال له العفريت { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ … } [ النمل : 39 ] قال هو : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … } [ النمل : 40 ] لأنه لو كان شخصاً آخر لكان له تفوُّق على سليمان في معرفة الكتاب . لكن رَدُّوا عليهم بأن من عظمة سليمان أنْ يعلمَ أحد رعيته هذا العلم ، فمَنْ عنده علم من الكتاب بحيث يأتي بالعرش قبل طَرْفة عين هو خادم في مملكة سليمان ومُسخر له ، كما أن المزايا لا تقتضي الأفضلية ، وليس شَرْطاً في المِلك أنْ يعرف كل شيء ، وإلا لَقُلْنا للمِلك : تَعَال أصلح لنا دورة المياه . أما نحن فنميل إلى أنه سليمان عليه السلام . وفَرْق كبير في القدرات بين مَنْ يأتي بالعرش قبل أن يقوم الملك من مجلسه ، وبين مَنْ يأتي به في طَرْفة عين ، ونَقْل العرش من مملكة بلقيس إلى مملكة سليمان يحتاج إلى وقت وإلى قوة . والزمن يتناسب مع القوة تناسباً عكسياً : فكلما زادت القوة قَلَّ الزمن ، فمثلاً حين تُكلِّف الطفل الصغير بنقل شيء من مكانه إلى مكان ما ، فإنه يذهب إليه ببُطْء ويحمله ببُطء حتى يضعه في مكانه ، أما الرجل فبيده وفي سرعة ينقله ، وهذه المسألة نلاحظها في وسائل المواصلات ، ففرْق بين السفر بالسيارة ، والسفر بالطائرة ، والسفر بالصاروخ مثلاً . وهذه تكلّمنا عنها في قصة " الإسراء والمعراج " فقد أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه السرعة لأن الله تعالى أَسْرى به ، ونقله من مكان إلى مكان لذلك جاءت الرحلة في سرعة فوق تصوُّر البشر . وما دام الزمن يتناسب مع القوة ، فلا تنسب الحدث إلى رسول الله ، إنما إلى الله ، إلى قوة القوى التي لا تحتاج إلى زمن أصلاً ، فإنْ قلتَ : فلماذا استغرقتْ الرحلة ليلةَ وأخذت وقتاً ؟ نقول : لأنه صلى الله عليه وسلم مرَّ بأشياء ، ورأى أشياء ، وقال ، وسأل ، وسمع ، فهو الذي شغل هذا الوقت ، أمّا الإسراء نفسه فلا زمنَ له . لذلك قبل أن يخبرنا الحق - تبارك وتعالى - بهذه الحادثة العجيبة قال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ … } [ الإسراء : 1 ] أي : نزِّهه عن مشابهة غيره ، كذلك مسألة نَقْل العرش في طرْفة عين لا بُدَّ أن مَنْ فعلها فعلها بعون من الله وبعلم أطلعه الله عليه ، فنقله بكُنْ التي لا تحتاج وقتاً ولا قوة ، وما دام الأمر بإرادة الله وقوته وإلهامه فلا نقول إلا : آمين . وفي قوله للجن : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ … } [ النمل : 40 ] تحدٍّ لعفريت الجن ، حتى لا يظن أنه أقوى من الإنسان ، فإنْ أراد الله منحني من القوة ما أتفوّق عليك به ، بل وأُسخِّرك بها لخدمتي . ومن ذلك قوله سبحانه عن تسخير الجن : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ … } [ سبأ : 13 ] . وليعلموا أنهم جهلاء ، ظلُّوا يعملون لسليمان وهو ميت ومُتكىء على عصاه أمامهم ، وهم مرعوبون خائفون منه . والتحدي قد يكون بالعُلُوِّ ، وقد يكون بالدُّنُو ، كالذي قال لصاحبه : أنا دارس باريس دراسة دقيقة ، وأستطيع أنْ أركب معك السيارة وأقول لك : أين نحن منها ، وأمام أيّ محل ، وأنا مُغْمض العينين ، فقال الآخر : وأنا أستطيع أن أخبرك بذلك بدون أن أُغمِض عَيْنيّ . وقوله : { فَلَمَّا رَآهُ … } [ النمل : 40 ] أي : العرش { مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي … } [ النمل : 40 ] إما لأنه أقدره على الإتيان به بنفسه ، أو سخّر له مَنْ عنده علم من الكتاب ، فأتاه به ، فهذه أو ذلك فضل من الله . { لِيَبْلُوَنِيۤ … } [ النمل : 40 ] يختبرني { أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ … } [ النمل : 40 ] يعني : أشكر الله فأُوفَّق في هذا الاختبار ؟ أم أكفر بنعمة الله فأخفق فيه ؟ لأن الاختبار إنما يكون بنتيجته . والشكر بأن ينسب النعمة إلى المنعم وألاَّ يلهيه جمال النعمة عن جلال واهبها ومُسْديها ، فيقول مثلاً : إنما أوتيته على علم عندي . وقوله : { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ … } [ النمل : 40 ] أي : أن الله تعالى لا يزيده شُكْرنا شيئاً ، فله - سبحانه وتعالى - صفات الكمال المطلق قبل أنْ يشكره أحد ، فمَنْ يشكر فإنما يعود عليه ، وهو ثمرة شُكْره . { وَمَن كَفَرَ … } [ النمل : 40 ] يعني : جحد النعمة ولم يشكر المنعم { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ … } [ النمل : 40 ] أي : عن شكره { كَرِيمٌ } [ النمل : 40 ] أي يعطي عبده رغم ما كان منه من جحود وكفر بالنعمة لأن نعمه تعالى كثيرة لا تُعَدُّ ، وهذا من حِلمه تعالى ورأفته بخَلْقه . لذلك لما نتأمل قوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا … } [ إبراهيم : 34 ] وقد تكررت هذه العبارة بنصِّها في آيتين من كتاب الله ، مما جعل البعض يرى فيها تكراراً لا فائدة منه ، لكن لو نظرنا إلى عَجُز كل منهما لوجدناه مختلفاً . فالأولى تُختتم بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] والأخرى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ النحل : 18 ] . إذن : فهما متكاملتان ، لكلٍّ منهما معناها الخاص ، فالأولى تبين ظلم الإنسان حين يكفر بنعمة الله عليه ويجحدها ، وتضيف الأخرى أن الله تعالى مع ذلك غفور لعبده رحيم به . كما نلحظ في الآية : { وَإِن تَعُدُّواْ … } [ إبراهيم : 34 ] استخدم إنْ الدالة على الشك لأن أحداً لا يجرؤ على عَدِّ نِعَم الله في الكون ، فهي فوق الحصر لذلك لم يُقْدِم على هذه المسألة أحد ، مع أنهم بوسائلهم الحديثة أحصُوا كل شيء إلا نعم الله لم يتصَدَّ لأحصائها أحد في معهد أو جامعة ممن تخصصت في الإحصاء . وهذا دليل على أنها مقطوع بالعجز عنها ، كما لم نجد مثلاً مَنْ تصدّى لإحصاء عدد الرمل في الصحراء . كما نقف عند قوله سبحانه : { نِعْمَتَ ٱللَّهِ … } [ إبراهيم : 34 ] ولم يقُلْ : نِعَم الله ، فالعجز عن الإحصاء أمام نعمة واحدة لأن تحتها نِعَم كثيرة لو تتبعتها لوجدتها فوق الحصر . ثم لما جاءته بلقيس أراد أن يُجري لها اختبارَ عقلٍ ، واختبارَ إيمان : { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا … } .