Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 45-45)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مرَّتْ بنا قصة نبي الله صالح - عليه السلام - مع قومه ثمود في سورة الشعراء ، وأُعيد ذكرها هنا لأن القرآن يقصُّ على رسول الله من موكب الأنبياء ما يُثبِّت به فؤاده ، كلّما تعرض لأحداث تُزلزل الفؤاد ، يعطيه الله النَّجْم من القرآن بما يناسب الظروف التي يمرُّ بها ، وهذا ليس تكراراً للأحداث ، إنما توزيع للقطات ، بحيث إذا تجمعتْ تكاملتْ في بناء القصة . وقوله سبحانه { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً … } [ النمل : 45 ] لا بُدَّ أنه أرسل بشيء ما هو ؟ { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ … } [ النمل : 45 ] لذلك سُمِّيت أنْ التفسيرية ، كما في قوله تعالى : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ … } [ القصص : 7 ] ماذا ؟ { أَنْ أَرْضِعِيهِ … } [ القصص : 7 ] . وقد يأتي التفسير بجملة ، كما في : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ … } [ طه : 120 ] بأي شيء ؟ { قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [ طه : 120 ] . فشرح الوسوسة وهي شيء عام بقوله : { قَالَ يٰآدَمُ … } [ طه : 120 ] فرسالتنا إلى ثمود ملخصها ومؤداها { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ … } [ النمل : 45 ] . والعبادة كما ذكرنا أن نطيع الله بفعل ما أمر ، وبترْك ما نهى عنه وزَجر ، أما ما لم يرِدْ فيه أمر ولا نَهْي فهو من المباحات إنْ شئتَ فعلتها ، وإنْ شئت تركتها ، وإذا ما استعرضنا حركة الأحياء والخلفاء في الأرض وجدنا أن 5 % من حركتهم تدخّل فيها الشارع بافعل ولا تفعل ، أما الباقي فهو مُباح . إذن : فالتكليف منُوط بأشياء يجب أنْ تفعلها لأن فيها صلاحَ مجتمعك ، أو أشياء يجب أن تتركها لأن فيها فساد مجتمعك . فماذا كانت النتيجة ؟ { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [ النمل : 45 ] . والاختصام أنْ يقف فريق منهم ضد الآخر ، والمراد أن فريقاً منهم عبدوا الله وأطاعوا ، والفريق الآخر عارض وكفر بالله . وقد وقف عند هذه الآية بعض الذين يحبون أنْ يتهجَّموا على الإسلام وعلى أسلوب القرآن ، وهم يفتقدون الملَكة العربية التي تساعدهم على فَهْم كلام الله ، وإنْ تعلَّموها فنفوسهم غير صافية لاستقبال كلام الله ، وفيهم خُبْث وسُوء نية . واعتراضهم أن { فَرِيقَانِ … } [ النمل : 45 ] مثنى و { يَخْتَصِمُونَ } [ النمل : 45 ] دالة على الجمع ، فلماذا لم يَقُل : يختصمان ؟ وهذه لغة القرآن في مواضع عدة . ومنها قوله تعالى : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا … } [ الحجرات : 9 ] . والقياس يقتضي أن يقول : اقتتلتا . لكن حين نتدبَّر المعنى نجد أن الطائفة جماعة مقابل جماعة أخرى ، فإنْ حدث قتالٌ حمل كُلٌّ منهم السلاح ، لا أن تتقدم الطائفة بسيف واحد ، فهم في حال القتال جماعة . لذلك قال اقتتلوا بصيغة الجمع ، أما في البداية وعند تقرير القتال فلكُلِّ طائفة منهما رأْيٌ واحد يعبر عنه قائدها ، إذن : فهما في هذه الحالة مثنى . كما أن الطائفة وإنْ كانت مفردة لفظاً إلا أنها لا تُطلَق إلا على جماعة ، فيقف كل واحد من الجماعة بسيفه في مواجهة آخر من الطائفة الأخرى . وهنا أيضاً { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ … } [ النمل : 45 ] أي : مؤمنون وكافرون { يَخْتَصِمُونَ } [ النمل : 45 ] لأن كل فرد في هذه الجماعة يقف في مواجهة فرد من الجماعة الأخرى . وفي موضع آخر ، شرح لنا الحق - تبارك وتعالى - هذه المسألة ، فقال سبحانه : { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } [ الحج : 19 - 22 ] . أما الفريق الآخر : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } [ الحج : 23 - 24 ] . فبيَّن لنا الحق - سبحانه - كل فريق منهما ، وبيَّن مصيره وجزاءه . ونلحظ هنا { فَإِذَا … } [ النمل : 45 ] يسمُّونها الفجائية ، ويُمثِّلون لها بقولهم : خرجتُ فإذا أَسَدٌ بالباب ، والمعنى : أنك فُوجِئْت بشيء لم تكُنْ تتوقعه ، كذلك حدث من الكافرين من قوم ثمود حين قال لهم نبيهم { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ … } [ النمل : 45 ] لكن يفاجئوننا بأنهم فريقان : مؤمنون وكافرون . ومنطق العقل والحق والفطرة السليمة يقتضي أنْ يستقبلوا هذا الأمر بالطاعة والتسليم ، ولا يختلفوا فيه هذا الاختلاف : فريق في الجنة وفريق في السعير { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] . وقالوا : إن الله تعالى لا يرسل الرسل إلا على فساد في المجتمع ، الخالق عز وجل خلق في الإنسان النفس اللوامة التي تردُّه إلى رُشْده وتنهاه ، والنفس المطمئنة التي اطمأنتْ بالإيمان ، وأَمنت الله على الحكم في افعل ولا تفعل ، والنفس الأمَّارة بالسوء ، وهَي التي لا تعرف معروفاً ، ولا تنكر مُنْكَراً ، ولا تدعو صاحبها إلا إلى السوء . والله - عزَّ وجلَّ - رب ، ومن عادة الرب أنْ يتعهّد المربَّى ليؤدي غايته على الوجه الأكمل ، أرأيتم أباً يُربِّي أبناءه إلا لغاية ؟ وما دام هو سبحانه ربي فلا يأمرني إلا لصالحي ، وصالح مجتمعي ، فلا شيء من طاعتنا يعود عليه بالنفع ولا شيء من معاصينا يعود عليه بالضرر لأنه سبحانه خلق الكون كله بصفات الكمال المطلق . إذن : كانت الفطرة السليمة تقتضي استقبال أوامر الله بالقبول والتسليم . وهذه الخصومة تجمع المؤمنين في جهة لأنهم اتفقوا على الإيمان . والكافرين في جهة لأنهم اتفقوا على الكفر . لكن يمتاز المؤمنون بأن يظل وفاقهم إلى نهاية العمر ، بل وعند لقاء الله تعالى في الجنة لأنهم اتفقوا في الدنيا في خطة العمل وفي الآخرة في غاية الجزاء ، كما يقول تعالى : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] . أما الكفار فسوف تقوم بينهم الخصومات يوم القيامة ، ويلعن بعضهم بعضاً ، ويتبرَّأ بعضهم من بعض ، والقرآن حين يُصوِّر تخاصم أهل النار يقول بعد أنْ ذكر نعيم أهل الجنة : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ * هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ * قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ * وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ ص : 55 - 64 ] . إذن : فالخصومة في الدنيا بين مؤمن وكافر ، أما في الآخرة فبين الكافرين بعضهم البعض ، بين الذين أَضَلُّوا والذين أُضِلُّوا ، بين الذين اتَّبعُوا ، والذين اتُّبِعوا .