Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-59)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نعرف أن الله تعالى يُحمد على النعمة ، لكن هناك { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ … } [ النمل : 59 ] جاءت بعد نقمة وعذاب وأَخْذ للمكذِّبين . قالوا : الخطاب هنا مُوجَّه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه إشارة إلى أن جُنْد الله هم الغالبون ، وأن العاقبة لهم ليطمئن رسول الله ، كما أن تطهير الكون من المفسدين فيه ، وحين تستريح منهم البلاد والعباد ، هذه نعمة تستوجب { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ … } [ النمل : 59 ] . وفي إهلاك الكافرين والمكذِّبين عبرة ودرسٌ لغيرهم ، حتى لا يتورطوا في أسباب الهلاك ، وهذه نعمة أخرى تستحق الحمد . لذلك أمرنا ربنا - تبارك وتعالى - أن نحمده إنْ رأينا خيراً نزل بالأخيار ، أو شراً حَلَّ بالأشرار . فالمعنى { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ … } [ النمل : 59 ] أن الرسل انتصروا وغلبوا ، وأن المفسدين انهزموا واندحروا . ألاَ ترى قَوْلَ أهل الجنة : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ … } [ الزمر : 73 - 74 ] . كذلك حين نرى الشرير الذي شاع شرُّه وكثُرَ فساده حين ينزل به ما يستحق من عقاب الله نقول جميعاً ساعةَ نسمع خبره : الحمد لله ، هكذا بعملية لا شعورية عند الجميع أنْ تلهج ألسنتُهم بالحمد عند نزول النعمة على أصحابها ، والنقمة على مَنْ يستحقها . ويقول تعالى عن أهل الشر والفساد : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 42 - 45 ] . فبعد أنْ قطع الله دابر الظالمين قال : الحمد لله رب العالمين ، ونلحظ هنا الفرق بين فتح لك ، وفتح عليك فتح لك يعني : فتح في صالحك ، ومنه : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] . أما فتح عليهم يعني : بالسوء نكايةً فيهم ، فمعنى { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } [ الأنعام : 44 ] . أعطاهم الخير ليهلكهم به ، وهم في حال نعمة ومكانة ، حتى إذا أخذهم الله كان أَخْذه أليماً شديداً . وفي قصة نوح عليه السلام : { فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي نَجَّانَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [ المؤمنين : 28 ] . فحَمْد الله هنا على أمرين : الحمد لله لأنه أغرق الكافرين الظالمين وخلًّصنا منهم ، والحمد لله لأنه نجَّى المؤمنين . ثم يقول سبحانه : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ … } [ النمل : 59 ] وهم المؤمنون الذين نصرهم الله ، وجعل العاقبة لهم ، والسلام عليهم بعدها لاقوه من عَنَتِ الكفار وعنادهم ، فالحمد لله الذي أهلك المفسدين ، وأتى بالسلام على المهتدين . ثم يطرح الحق سبحانه قضية ، ويأتي بها في صورة سؤال واستفهام لتكون أبلغ في النفس من مجرد الإخبار بها : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 59 ] . ولو أن الآية قالت : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى لأن الله خير وما يشركون به شرٌّ لكان الكلامُ خبراً ، والخبر في ذاته وبصرف النظر عن قائله يحتمل الصدق أو الكذب . أمَّا حين تُعرض هذه القضية في صورة الاستفهام ، فقد جعلتَ مخاطبك هو الذي ينطق بها ، كما لو أنكر أحد الأصدقاء جميلَك وأياديك عليه ، فبدل أن تخبر أنت : فعلتُ لك كذا وكذا تدَعْه هو الذي يُخبر فتقول : ألم أفعل لك كذا وكذا ؟ ولا يقول هذا إلا واثقٌ ومعتقدٌ أن الإجابة ستكون في صالحه . فالمعنى : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النمل : 59 ] قولوا لنا أنتم ونحن نرتضي حكمكم بعدما رأيتُم وسمعتم من هذه القصة : آالله خير أم الذين أشركوا به خير ؟ ولا بد أن تأتي الإجابة : الله خير لذلك لما نزلت هذه الآية انفعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرع بالجواب : " بل الله خير وأبقى وأجلُّ وأكرم " . مما يدل على أن الانفعال بالقرآن واجب ونقصد الانفعال بمعانيه ، لا الانفعال بالصوت والنغمات كالذي نسمعه من هؤلاء الذكِّيرة الذين يُشجِّعون المقرئين بالصياح والضجيج الذي لا يتناسب وجلال الآيات ، وهم مع ذلك لا يفهمون المعاني ولا يتأثرون بها ، لدرجة أن منهم مَنْ يسمع آيات العذاب فيقول بأعلى صوته : اللهم زِدْنا . وقد كان الكتبة من الصحابة ينفعلون بالآيات معنىً ، حتى إن أحدهم ليكمل الآية ويختمها بما يناسبها قبل أن تُملَى عليه ، لماذا ؟ لأنهم فهموا عن الله وتأثروا بالمعنى ، مما يدل على أن القرآن جاء موافقاً للفطرة السليمة ، ومن هذا التوافق قول أحد الصحابة { فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحْسَنُ ٱلْخَالِقِينَ } [ المؤمنين : 14 ] فنزل بها القرآن كما قالها . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن سورة الرحمن " لقد قرأتُ سورة الرحمن على إخوانكم الجن ، فكانوا أحسن استجابة منكم ، فكانوا كلما قلت { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . قالوا : لا بشيء من نعمائك ربنا نكذب فلكَ الحمد " . إذن : حين نسمع كلام الله علينا أن ننفعل به ، وأنْ نتجاوبَ معه تجاوباً واعياً ، فعند آية التسبيح نُسبِّح ، وعند آية الحمد نحمد الله ، وعند آية الدعاء نقول : آمين ، هذه مواجيد انفعالية لسماع القرآن والتجاوب معه ، لا أنْ نسمعه أو نهذه كهذ الشِّعْر . ثم يقول الحق سبحانه : { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ … } .