Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 65-65)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كما قال الحق سبحانه وتعالى : { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ … } [ الأنعام : 59 ] . والغيب : كلّ ما غاب عن إدراكك وحِسِّك ، لكن مرة يكون الغيب غيباً إضافياً يغيب عنك ، ولا يغيب عن غيرك ، فأنا لا أعرف مثلاً ما في جيوبكم لكن أنتم تعرفون ، والذي سُرِق منه شيء وأخفاه السارق ، فالمسروق منه لا يعلم أين هو ، لكن السارق يعلم . وإما يكون الغيب غيْباً مطلقاً ، وهو ما غاب عنّا جميعاً وهو قسمان : قسم يغيب عنا جميعاً ، لكن قد نكتشفه ككل الاكتشافات التي اهتدى إليها البشر . وهذه يكون لها مقدمات تُوصِّل إليها ، وهذا غيب نصف إضافي لأنه غيب اليوم لكن نراه مشهداً بعد ذلك ، فلا يكون غيباً . ومثال ذلك : تمرين الهندسة الذي نعطيه للأولاد بمقدِّمات ومعطيات ، يُعمِلون فيها عقولهم حتى يتوصلوا إلى الحل المطلوب ، وهذا النوع يقول الله عنه : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ … } [ البقرة : 255 ] . فإذا شاء الله وجاء ميلاد هذا الغيب أطلعهم الله تعالى على المقدمات التي توصِّل إليه ، إما بالبحث ، وإما حتى مصادفة ، وهذا يؤكده قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ … } [ فصلت : 53 ] . ومن الغيب المطلق غَيْب حقيقي ، لا يطلع عليه ولا يعلمه إلا الله فقد استقل سبحانه وتفرَّد بمعرفته ، وهذا الغيب يقول تعالى عنه : { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ … } [ الجن : 26 - 27 ] . ومن هذا الغيب المطلق قضية القيامة { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَاواتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ … } [ النمل : 65 ] فالقيامة لا يعلم وقتها إلا الله سبحانه ، إلا أنه جعل لها مُقدِّمات وعلامات تدلُّ عليها وتُنبىء بقُرْبها . قال عنها : { أَكَادُ أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] البعض يظن أن { أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] يعني : أداريها وأسترها ، لكن المعنى ليس كذلك { أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] يعني : أزيل خفاءها ، ففرْق بين خَفى الشيء وأخفاه : خَفَى الشيء عني : ستره وداراه ، أما أخفاه فيعني : أظهره ، وهذه تُسمَّى همزة الإزالة ، مثل : أعجم الشيء يعني : أزال عُجْمته . ومنه المعجم الذي يُوضِّح معاني المفردات . وكما تكون الإزالة بالهمزة تكون بالتضعيف . نقول : مرض فلان يعني : أصابه المرض ، ومرَّض فلاناً يعني : عالجه وأزال مرضه ، ومنه : قشَّر البرتقالة : يعني أزال قشرها . فالمعنى { أَكَادُ أُخْفِيهَا … } [ طه : 15 ] أي : أكاد أُظهِرها ، ألاَ ترى أن للساعة علامات كبرى وعلامات صغرى ، نرى بعضها الآن ، وتتكشف لنا من الأيام علامة بعد أخرى . لكن يظل للقيامة وقتها الذي لا يعلمه إلا الله لذلك يقول عنها : { لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ … } [ الأعراف : 187 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم يفتخر بأنه لا يعلم موعدها ، فيقول حين سُئِل عنها : " ما المسئول عنها بأعلم من السائل " . فشَرفٌ لرسول الله ألاَّ يعلم شيئاًَ استأثر الله بعلمه ، والقيامة غَيْبٌ مطلق لم يُعْطِ الله مفاتحه لأحد حتى الرسل . وقد يُكرِم الله تعالى بعض خَلْقه ، ويُطلِعه على شيء من الغيب ، ومن ذلك الغيبيات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يكون لها مُقدِّمات توصِّل إليها ، فلا بُدَّ أنها أتته في وحي القرآن ، كما في قوله تعالى : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِين … } [ الروم : 1 - 4 ] . وكان الروم أقرب إلى الله لأنهم أهل كتاب ، وكان الفرس كفاراً يعبدون النار ، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته يتمنْون انتصار الروم على الفرس ، فنزل الوحي على رسول الله يخبره { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } [ الروم : 2 ] لكنهم في النهاية { سَيَغْلِبُونَ } [ الروم : 3 ] ولولا أن الله تعالى حدد غلبهم { فِي بِضْعِ سِنِينَ … } [ الروم : 4 ] لكان انتصارهم دائماً ، لكن مَنْ يستطيع تحديد مصير معركة بين قوتين عُظميين بعد بضع سنين إلا الله ؟ ولأن انتصار الروم يُفرِح المؤمنين بالله ، قال سبحانه : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ … } [ الروم : 4 - 5 ] . وتشاء قدرة الله أنْ يأتيَ انتصار الروم على الفرس في نفس اليوم الذي انتصر فيه المؤمنون على الكافرين في بدر . ومن الغيب الذي يفيض الله به على عبد من عباده ما حدث من الصِّديق أبي بكر - رضي الله عنه - وقد أعطى ابنته عائشة - رضي الله عنها - مالاً ، فلما حضرتْه الوفاة قال لها : هاتي ما عندك من المال ، إنما هما أخواك وأختاك : أخواك هما محمد وعبد الرحمن ، وأختاك : لا نعلم أن لعائشة أختاً غير أسماء ، فمن هي الأخرى ؟ كان الصِّديق قد تزوج من ابنة خالته وكانت حاملاً ، لكن الحق - تبارك وتعالى - تجلى عليه وألهمه أنها ستُنجب بنتاً تنضم إلى عائشة وأسماء . وقوله تعالى : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } [ النمل : 65 ] أي : كما أننا لا نشعر بالموت ولا نعرف ميعاده ، كذلك لا نشعر بالبعث ، ولا متى سنُبعث . ثم يقول الحق سبحانه : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ … } .