Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ما زِلْنا قريبي عَهْد بذكر طرف من قصة موسى - عليه السلام - في سورة الشعراء ، وهنا يعود السياق إليه مرة أخرى ، لماذا ؟ لأن دعوة موسى - عليه السلام - أخذت حيِّزاً كبيراً من القرآن الكريم ، ذلك لأنهم أتعبوا أنبياءهم وعاندوهم حتى كَثُّر الكلام عنهم . وعجيب أنهم يفخرون بكثرة أنبيائهم ، وهم لا يعلمون أنها تُحسب عليهم لا لهم ، فالنبي لا يأتي إلا عند شِقْوة أصحابه ، وبنوا إسرائيل كانوا من الضلال والعناد بحيث لاَ يكفيهم رسول واحد ، بل يلزمهم كونسلتو من الأنبياء ، فهم يعتبرونها مفخرة ، وهي مَنْقصة ومذمّة . أما تكرار قصة بني إسرائيل وموسى - عليه السلام - كثيراً في القرآن ، فلأن القرآن لا يروي حدوتة و ، لا يذكر أحداثاً للتأريخ لها ، إنما يأتي من القصة بما يناسب موطن العبرة والتثبيت لفؤاد رسول الله : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ … } [ هود : 120 ] . لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرَّض في رحلة الدعوة لكثير من المصاعب والمشاقّ ، ويحتاج لتسلية وتثبيت ، فيأتي له ربُّه بلقطة معينة ، ولكن لا يُورد القصة كاملة ، وهذا ليس عَجْزاً - وحاشا لله - عن إيراد القصة كاملة مرة واحدة . وقد أورد سبحانه قصة يوسف - عليه السلام - كاملة من الألف إلى الياء في صورة قصة محبوكة على أتمِّ ما يكون الفن القصصي ، ومع ذلك لم يأتِ لسيدنا يوسف عليه السلام ذِكْر - في غير هذه القصة - إلا في موضعين : أحدهما : في سورة الأنعام : { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ … } [ الأنعام : 84 ] . والآخر في سورة غافر : { وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً … } [ غافر : 34 ] . إذن : ورود القصة في لقطات مختلفة متفرقة ليس عَجْزاً عن إيرادها مُسْتوفاة كاملة في سياق واحد ، ولو فعل ذلك لكان التثبيت مرة واحدة . وهنا يقول الحق سبحانه : { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } [ النمل : 7 ] ، وفي موضع آخر يقول : { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } [ القصص : 29 ] وفي هذه الآية إضافة جديدة ليست في الأولى . أما قوله تعالى : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً … } [ القصص : 29 ] أي : آنس في ذاته ، أمّا في الآيتين السابقتين فيخبر بأنه آنسَ ناراً ، إذن : كل آية في موقف ، وليس في الأمر تكرار ، كما يتوهمّ البعض . فموسى - عليه السلام - يسير بأهله في هذا الطريق الوَعْر ويحلّ عليه الظلام ، ولا يكاد يرى الطريق فيقول لزوجته : { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } [ النمل : 7 ] يعني : سأذهب لأقتبسَ منها ، ليهتدوا بها ، أو ليستدفئوا بها . وطبيعي أنْ تعارضه زوجته : كيف تتركني في هذا المكان المُوحِش وحدي ، فيقول لها { ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً … } [ القصص : 29 ] يعني : ابقىْ هنا مستريحة ، وأنا الذي سأذهب ، فلربما تعرَّضت لمخاطر فكُوني أنت بعيداً عنها ، إذن : هي مواقف جديدة استدعاها الحال ، ليست تكراراً . كذلك نجد اختلافاً طبيعياً في قوله : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ … } [ القصص : 29 ] وقوله { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ … } [ النمل : 7 ] . فالأولى { لَّعَلِّيۤ … } [ القصص : 29 ] فيها رجاء لأنه مُقبل على شيء يشكُّ فيه ، وغير متأكد منه ، وهو في هذه الحالة صادق مع خواطر نفسه أمام شيء غائب عنه ، فلما تأكد قال { سَآتِيكُمْ … } [ النمل : 7 ] على وجه اليقين . وفي هذه المسألة قال مرة : { لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ … } [ القصص : 29 ] وهنا قال : { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } [ النمل : 7 ] . ذلك لأنه لا يدري حينما يصل إلى النار ، أيجدها مشتعلة لها لسان يقتبس منه شعلة ، أم يجدها قد هدأتْ ولم يَبْقَ منها إلا جذوة ، وهي القطعة المتوهجة مثل الفحم مثلاً ، فكلُّ تكرار هنا له موضع ، وله معنى ، ويضيف شيئاً جديداً إلى سياق القصة ، فهو تكامل في اللقطات تأتي متفرقة حَسْب المراد من العبرة والتثبيت . ومعنى { لأَهْلِهِ … } [ النمل : 7 ] قالوا : إنها تعني جماعة بدليل قوله لهم { ٱمْكُثُوۤاْ … } [ القصص : 29 ] فكانت زوجته ، ومعه أيضاً بعض الرُّعْيان أو الخدم . والإنسان منا يحتاج لأشياء كثيرة تقتضي التعدّد : فهذا يطبخ الطعام ، وهذا للنظافة ، وهذا لِكَيِّ الملابس … إلخ . لكن هناك شيء واحد لا يستطيع أحد أنْ يقضيَه لك إلا زوجتك ، هي النسْل والمعاشرة الزوجية ، كما يمكن للزوجة وحدها أن تقوم لك بكل هذه الأعمال ، إذن : فهي تُغْني عن الأهل كلهم ، ونستطيع أن نقول : إنه لم يكُنْ معه إلا زوجته . وهذه شائعة في لغتنا : يقول الرجل : الجماعة أو جماعتي أو أهلي ويقصد زوجته ، وفي هذا تقدير من الزوج لمكانة زوجته . ومعنى { آنَسْتُ … } [ النمل : 7 ] آنس : يعني شعر وأحسَّ بشيء يُؤنسه ويُطمئنه ، وضده التوجس : أي شعر وأحسَّ بشيء يخيفه ، ومنه قوله تعالى في شأن موسى أيضاً : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ * قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلأَعْلَىٰ } [ طه : 67 - 68 ] .