Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 8-8)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : جاء النار فـ { نُودِيَ … } [ النمل : 8 ] النداء : طلب إقبال ، كما تقول : يا فلان ، فيأتيك فتقول له ما تريد . فالنداء مثلاً في قوله تعالى : { يٰمُوسَىٰ } [ طه : 11 ] نداء { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ … } [ طه : 14 ] خطاب وإخبار . لكن ما معنى { نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا … } [ النمل : 8 ] ولم يقُلْ : يا موسى فليس هنا نداء ، قالوا : مجرد الخطاب هنا يُراد به النداء لأنه ما دام يخاطبه فكأنه يناديه ، ومثال ذلك قوله سبحانه : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً … } [ الأعراف : 44 ] . فذكر الخطاب مباشرة دون نداء لأن النداء هنا مُقدَّر معلوم من سياق الكلام ، ومنه أيضاً : { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } [ الأعراف : 48 ] . ومنه أيضاً : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي … } [ مريم : 24 ] فجعل الخطاب نفسه هو النداء . وقوله : { أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا … } [ النمل : 8 ] كلمة بُورِك لا تناسب النار لأن النار تحرق ، وما دام قال { بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ … } [ النمل : 8 ] فلا بُدَّ أن مَنْ في النار خَلْق لا يُحرق ، ولا تؤثر فيه النار ، فمَنْ هم الذين لا تؤثر فيهم النار ، هم الملائكة . وقد رأى موسى - عليه السلام - مشهداً عجيباً ، رأى النار تشتعل في فرع من الشجرة ، فالنار تزداد ، والفرع يزداد خُضْرة ، فلان النار تحرق الخضرة ولا رطوبة الخضرة ومائيتها تطفىء النار ، فمَنْ يقدر على هذه المسألة ؟ لذلك قال بعدها : { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ النمل : 8 ] . ففي مثل هذا الموقف إياك أنْ تقول : كيف ، بل نزِّه الله عن تصرفاتك أنت ، فهذا عجيب لا يُتصوَّر بالنسبة لك ، أمّا عند الله فأمر يسير . وقد رأينا مثل هذه المعجزة في قصة إبراهيم - عليه السلام - حين نجَّاه ربه من النار ، ولم يكُنْ المقصود من هذه الحادثة نجاة إبراهيم فقط ، فلو أن الله أراد نجاته فحسب لَمَا أمكنهم منه ، أو لأطفأ النار التي أوقدوها بسحابة ممطرة ، أسباب كثيرة كانت مُمكِنة لنجاة سيدنا إبراهيم . لكن الله تعالى أرادهم أنْ يُمسِكوا به ، وأنْ يُلْقوه في النار ، وهي على حال اشتعالها وتوهّجها ، ثم يُلْقونه في النار بأنفسهم ، وهم يروْنَ هذا كله عَيَاناً ، ثم لا تؤذيه النار ، كأنه يقول لهم : أنا أريد أن أنجيه من النار ، رغم قوة أسبابكم في إحراقه ، فأنا خالق النار ومعطيها خاصية الإحراق ، وهي مُؤتمرةٌ بأمري أقول لها : كُونِي بَرْداً وسلاماً تكون ، فالمسألة ليست ناموساً وقاعدة تحكم الكون ، إنماَ هي قيوميتي على خَلْقي . إذن : ما رآه موسى - عليه السلام - من النار التي تشتعل في خضرة الشجرة أمر عجيب عندكم ، وليس عجيباً عند مَنْ له طلاقة القدرة التي تخرق النواميس . وبناء الفعل { بُورِكَ … } [ النمل : 8 ] للمجهول تعني : أن الله تعالى هو الذي يبارك ، فهذه مسألة لا يقدر عليها إلا الله { مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا … } [ النمل : 8 ] يجوز أن يكون الملائكة ، أو : بُورِكت الشجرة ذاتها لأنها لا تُحرق ، أو النار لأنها لا تنطفىء فهي مُباركة . وفي موضع آخر يُوسِّع دائرة البركة ، فيقول سبحانه : { فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ … } [ القصص : 30 ] . ثم يخاطب الحق سبحانه موسى : { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ … } .