Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 86-86)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ينتقل السياق من الكلام عن الآخرة إلى آية كونية ، وهذه سِمَة من سمات أسلوب القرآن الكريم ، حيث يراوح بين الدعوة إلى الإيمان وبين بيان الآيات الكونية ، فبعد أن حدثنا عن الآخرة ذكر هذه الآية الكونية ، وكأنه يقول : لا عُذْر لمن يُكذِّب بآيات الله لأن الآيات موجودة مشاهدة . لذلك قال : { أَلَمْ يَرَوْاْ … } [ النمل : 86 ] أي : ألم يعلموا ويشاهدوا { أَنَّا جَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ … } [ النمل : 86 ] أي : للنوم وللراحة { وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً … } [ النمل : 86 ] أي : بما فيه من الأشعة والضوء الذي يُسبب الرؤيا . وسبق أنْ بيَّنا دور العالم المسلم ابن الهيثم في تصحيح نظرية رؤية الأشياء ، وكانوا يعتقدون أن الشيء يُرى إذا خرج الشعاع من العين إليه ، والصحيح أن الشعاع يخرج من الشيء المرئي إلى العين ، فكأن الشعاع هو الذي يُبصر ، فهو سبب الرؤيا ، ولولاه لا نرى الأشياء . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ النمل : 86 ] فربك - عزّ وجلّ - نظَّم لك حركة حياتك بليل تسكن فيه ، وتخلد للراحة ونهار تسعى فيه وتبتغي من فضل الله كما قال تعالى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ القصص : 73 ] . ولن تستقيم لنا حركة الحياة إلا إذا سِرْنا على هذا النظام الذي ارتضاه الله لنا ، فإنْ قلبَ الناس هذه الطبيعة فسهروا حتى الفجر ، فلا بُدَّ أنْ يلاقوا عاقبة هذه المخالفة في حركة حياتهم : تكاسلاً وتراخياً وقِلة في الإنتاج … إلخ . والحق - تبارك وتعالى - يشرح لنا هذه القضية في موضع آخر : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 71 - 72 ] . ففي الكلام عن الليل قال : { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [ القصص : 71 ] وعن النهار قال : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 72 ] لماذا ؟ قالوا : لأن حاسة الإدراك في الليل هي السمع ، وفي النهار البصر . وفي هذا إشارة إلى طبيعة كل منهما حتى لا نُغيِّرها نحن ، فنسهر الليل ، وننام النهار . وفي قوله تعالى { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ … } [ القصص : 73 ] ما يسميه العلماء باللف والنشر ، أي : لفّ المحكوم عليه وهو الليل والنهار معاً ، ثم نشر حكم كل منهما على وجه الترتيب : لتسكنوا فيه وهي تقابل الليل ، ولتبتغوا من فضله ، وهي تقابل النهار . إذن : بعد أنْ استدل الحق - تبارك وتعالى - بالموجود فعلاً من آيتي الليل والنهار أراد أنْ يستدل بعدمهما في { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَداً … } [ القصص : 71 ] و { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً … } [ القصص : 72 ] . ثم يعود السياق مرة أخرى إلى الحديث عن القيامة : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ … } .