Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 42-42)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَأَتْبَعْنَاهُم … } [ القصص : 42 ] يعني : جعلنا من خلفهم : { فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً … } [ القصص : 42 ] فكل مَنْ ذكرهم في الدنيا يقول : لعنهم الله ، فعليهم لعنة دائمة باقية ما بقيتْ الدنيا ، وهذا اللعْن والطرد من رحمة الله ليس جزاء أعمالهم ، إنما هو مقدمة لعذاب بَاقٍ وخالد في الآخرة ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ … } [ الطور : 47 ] . { وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } [ القصص : 42 ] مادة : قبح ، تقول للشرير : قبَّحك الله ، أي : طردك وأبعدك عن الخير . ولها استعمال آخر : تقول : قَبَحْتُ الدُّمل أي : فتحته ونكأته قبل نُضْجه فيخرج منه الدم مع الصديد ويشوه مكانه . وسبق أنْ قُلْنا : إن الدُّمَّل إذا تركته للصيدلية الربانية في جسمك حتى يندمل بمناعة الجسم ومقاومته تجده لا يترك أثراً ، أما إنْ تدخلت فيه بالأدوية والجراحة ، فلا بُدَّ أنْ يترك أثراً ، ويُشوِّه المكان . ويكون المعنى إذن : { هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } [ القصص : 42 ] أي : الذين تشوَّهَتْ وجوههم بعد نعومة الجلد ونضارته ، وقد عبَّر القرآن عن هذا التشويه بصور مختلفة . يقول تعالى : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [ عبس : 40 - 41 ] . ويقول سبحانه { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ … } [ آل عمران : 106 ] . ويقول : { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [ طه : 102 ] . ومعلوم أن زُرْقة الجسم لا تأتي إلا نتيجة ضربات شديدة وكدَمات تُحدِث تفاعلات ضارة تحت الجلد ، فتُسبِّب زُرْقته ، وكذلك زُرْقة العين ، ومن أمراض العيون المياه الزرقاء ، وهي أخطر من البيضاء . لذلك يقول الشاعر : @ وَللْبخيلِ عَلَى أَمْواله عِلَلٌ زُرْق العُيونِ عَليْها أَوْجُه سُودُ @@ لأنه حريص على أمواله ولا يريد إنفاقها . ويُستخدم اللون الأزرق للتبشيع والتخويف ، وقد كانوا في العصور الوسطى يَطْلُون وجوه الجنود باللون الأزرق لإخافة الأعداء وإرهابهم ، وتعارف الناس أنه لَوْن الشيطان لذلك نقول في لغتنا العامية العفاريت الزرق ونقول في الذم : فلان نابه أزرق . ويقول الشاعر : @ أَيَقْتلُنِي والمْشرَفيُّ مُضاجِعي ومَسْنُونَة زُرْقٌ كأنْيابِ أغْوالِ @@ أما السواد فيُقصد به الوجه المشوّه المنفِّر ، وإلا فالسواد لا يُذَم في ذاته كلون ، وكثيرا ما نرى صاحب البشرة السوداء يُشع جاذبية وبشاشة ، بحيث لا تزهد في النظر إليه ، ومعلوم أن الحُسْن لا لونَ له . والله تعالى يَهَبُ الحُسْن والبشاشة ويُشِعّهما في جميع الصور . وقد ترى للون الأسود في بعض الوجوه أَسْراً وإشراقاً ، وترى صاحب اللون الأبيض كالحاً ، لا حيوية فيه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ … } .