Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 46-46)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا … } [ القصص : 46 ] أي : موسى عليه السلام { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ … } [ القصص : 46 ] أي : أنك يا محمد ما شهدت هذه الأحداث ، إنما جاءتْك بالفضل من الله { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [ القصص : 46 ] يتذكَّرون ما غفلوا عنه من الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها . وكلمة وما كنت في مواضع عدة في القرآن تدل على أن رسول الله جاء بأخبار لم يقرأها في كتاب ، ولم يسمعها من مُعلِّم لأنه لا يقرأ ، ولم يُعرف عنه أنه جلس إلى مُعلِّم ، وأهل الكتاب هم الذين يعرفون صدْق هذه الأخبار لأنها ذُكِرت في كتبهم ، لذلك قال القرآن عنهم : { يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ … } [ الأنعام : 20 ] . ويقول سبحانه : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } [ الأعلى : 18 - 19 ] . ومن علامات النبوة أن يخرق الحق سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم حُجُب الغيب ، والشيء يغيب عنك إما لأنه ماضٍ ، ولا وسيلةَ لك إليه ، وهذا هو حجاب الزمن الماضي ، وهو لا يُعرف إلا بواسطة القراءة في كتاب أو التعلم من مُعلِّم ، وقد نفى الله تعالى هذا بالنسبة لرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن يكون الحجابُ حجابَ الزمن المستقبل والأحداث التي لم تأْتِ بعْد ، ولا يستطيع أن يخبرك بها إلا الذي يعلمها أزَلاً . لذلك يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] فكان النجم من القرآن ينزل على رسول الله فلما يُسرى عنه يُمليه على أصحابه ، كل آية في مكانها وترتيبها من السورة ، ثم يقرؤها بعد ذلك كما أُنزلت ، وكما أملاها . وسبق أنْ قُلْنا : تستطيع أن تتحدَّى أيَّ شخص بأن يتكلم مثلاً لمدة ثُلث الساعة ، ثم يعيد ما قال ، ولن يستطيع ، أما المسألة مع سيدنا رسول الله فتختلف لأنها من الله تعالى { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } [ الأعلى : 6 ] . وقلنا : إن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول نزول القرآن عليه كان يُردد الآية خلف جبريل عليه السلام مخافة أن ينساها ، فإنْ قال جبريل : { وَٱلضُّحَىٰ } [ الضحى : 1 ] قال رسول الله { وَٱلضُّحَىٰ } [ الضحى : 1 ] وهكذا ، فأنزل الله عليه : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 16 - 18 ] . وقال سبحانه : { وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ … } [ طه : 114 ] . أي : أرح نفسك يا محمد ، ولا تخْشَ النسيان ، وانتظر حتى تنتهي الآيات ، وسوف تعيدها كما هي ، لا تَنْسى منها حرفاً واحداً . ومن كشف حُجُب الغيب المستقبل قوله تعالى : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً … } [ النحل : 8 ] ولو انتهتْ الآية إلى هذا الحدِّ لقالوا : ذكر القرآن البدائيات ، ولم يذكر شيئاً عن السيارة والصاروخ . . إلخ . لكن الحق - تبارك وتعالى - يكمل الآية { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] ليجعل في القرآن رصيداً لكل ما يستجد من وسائل المواصلات والانتقال إلى يوم القيامة . ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [ يس : 36 ] فكلُّ شيء في الوجود قائم على الزوجين ذكورةً وأنوثة حتى الجمادات التي لا نرى فيها حياة . ومن ذلك قوله تعالى : { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ … } [ الروم : 1 - 4 ] فمَنْ يستطيع أن يحكم على نتيجة معركة بعد سبع سنين ؟ وبعد ذلك يُصدِّقه الله ، وتنتصر الروم ، وكانوا أهل كتاب على الفرس ، وكانوا يعبدون النار لذلك قال سبحانه : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ ٱللَّهِ … } [ الروم : 4 - 5 ] . ولما تشوَّق الصحابة لأداء العمرة ونزل على رسول الله قوله تعالى : { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } [ الفتح : 27 ] . " فخرج بهم رسول الله حتى بلغوا الحديبية على بُعْد 22 كيلو من مكة تعرَّضَتْ لهم قريش ، ومنعتهم من العمرة ، واشترطوا عليهم العودة في العام المقبل ، وقد كتبوا وثيقة تعاهدوا فيها ، فلما أملى رسول الله على الكاتب : هذا ما تعاهد عليه محمد رسول الله ، قام عمرو بن سهيل فقال : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما حاربناك ولا رددناك ، إنما اكتب : هذا ما تعاهد عليه محمد بن عبد الله . وعندها ثار صحابة رسول الله وغضبوا حتى راجعوا رسول الله فقال عمر : يا رسول الله ألسْنا على الحق ؟ قال : بلى ، قال : أليسوا على الباطل ؟ قال : بلى قال : فَلِمَ نعطى الدَّنية في ديننا ، فقال الصِّديق : الزم غَرْزَهُ يا عمر ، يعني قف عند حدَّك - إنه رسول الله . ولما أصر علي بن أبي طالب أن يكتب محمد رسول الله نظر إليه رسول الله ، وقال : " يا علي ستُسام مثلها فتقبل " ومرَّتْ الأيام والسنون ، وقُبض رسول الله ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فلما تولّى عليٌّ الخلافة وحدثت الفتنة بينه وبين معاوية ، وقامت بينهما حرب الجمل ثم صِفِّين حتى اضطر عليّ لأنْ يكتب مع معاوية وثيقة لإنهاء القتال أملى عليّ : هذا ما تعاهد عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، فقالوا له : لو أنك أمير المؤمنين ما حاربناك ، فاسترجع عليٌّ قول رسول الله : " سَتُسام مثلها فتقبل " . إذن : خرق الله لرسوله حجاب الزمن الماضي ، والزمن المستقبل ، فماذا عن الزمن الحاضر ؟ وكيف يكون خرق الحجاب فيه ؟ هذا في مثل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ … } [ المجادلة : 8 ] فأطلعه الله على ما في نفوس القوم . وفي غزوة مؤتة ، وهي الغزوة الوحيدة التي لم يحضرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك سُمِّيت غزوة - لأن الغزوة لا تُقَال إلا للمعركة التي حضرها رسول الله ، أما في مؤتة فقد حضرها وشاهدها وهو في المدينة ، حيث كشف الله له حجاب الحاضر ، فصار يخبر أصحابه في المدينة بما يجري في مؤتة وكأنها رَأْيُ العين . ويومها تولى القيادة جماعة من كبار الصحابة : زيد بن حارثة ، وابن رواحة ، وجعفر بن أبي طالب ، وخالد بن الوليد ، فكان صلى الله عليه وسلم يقول : قُتِل فلان وسقطت الراية ، فأخذها فلان وقُتِل وحملها فلان … إلخ فلما عادوا من الغزوة أخبروا بنفس ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم … } .