Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 73-73)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بعد أنْ فصَّل الله تعالى القولَ في الليل والنهار كلّ على حدة جمعهما لأنهما معاً مظهر من مظاهر رحمة الله ، وفي الآية ملمح بلاغي يسمونه " اللف والنشر " ، فبعد أن جمع الله تعالى الليل والنهار أخبر عنهما بقوله : { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ … } [ القصص : 73 ] ثقة منه تعالى بفطْنة السامع ، وأنه سيردُّ كلاً منهما إلى ما يناسبه ، فالليل يقابل { لِتَسْكُنُواْ فِيهِ … } [ القصص : 73 ] ، والنهار يقابل { وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ … } [ القصص : 73 ] . فاللفُّ أي : جَمْع المحكوم عليه معاً في جانب والحكم في جانب آخر ، والنشرْ : ردّ كلِّ حكم إلى صاحبه . وضربنا لذلك مثلاً بقول التيمورية : @ قَلْبي وجَفْني واللسَانُ وخَالِقي رَاضٍ وبَاكٍ شَاكِرٌ وغَفُور @@ فجمعتْ المحكوم عليه في الشطر الأول والحكم في الشطر الثاني ، وعليك أنْ تعيد كلَّ حكم إلى صاحبه . والليل والنهار آيتان متكاملتان ، وبهما تنتظم حركة الحياة لأنك إنْ لم ترتح لا تقوى على العمل لأن لك طاقة ، وفي جسمك مُولِّدات للطاقة ، فساعةَ تتعب تجد أن أعضاءك تراخَتْ وأُجهدَتْ ، وهذا إنذار لك ، تُنبِّهك جوارحك لم تَعُدْ صالحاً للحركة ، ولا بُدَّ لك من الراحة لتستعيد نشاطك من جديد . والراحة تكون بقدر التعب ، فربما ترتاح حين تقف مثلاً في حالة السير ، فإنْ لم يُرِحْك الوقوف تجلس أو تضطجع ، فإنْ زاد التعب غلبك النوم ، وهو الرَّدْع الذاتي الذي يكبح جماح صاحبه إنْ تمرد على الطبيعة التي خلقها الله فيه . ومن عجب أن البعض يخرج عن هذه الطبيعة ، فيأخذ مُنشِّطات حتى لا يغلبه النوم ، ويأخذ مُهدِّئات لينام ، ولو أسلم نفسه لطبيعتها ، فنام حينما يحضره النوم ، وعمل حينما يجد في نفسه نشاطاً للعمل لأراحَ نفسه من كثير من المتاعب . لذلك يقولون : النوم ضيف إنْ طلبك أراحك ، وإنْ طلبته أعْنتك ، وحتى الآن ، ومع تقدُّم العلوم لم يصلوا إلى سرِّ النوم ، وكيف يأخذ الإنسان في هدوء ولُطْف دون أنْ يشعر ماهيتهَ ، وأتحدى أن يعرف أحد منا كيف ينام . لذلك جعل الله النوم آية من آياته تعالى ، مثل الليل والنهار والشمس والقمر ، فقال سبحانه : { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ … } [ الروم : 23 ] . ثم يقول الحق سبحانه : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ … } .