Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 71-72)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يُعدِّد الحق - تبارك وتعالى - نعمه على عبيده في شيئين يتعلقان بحركة الحياة وسكونها ، فالحركة تأتي بالخير للناس ، والسكون يأتي بالراحة للمتعَب من الحركة ، والإنسان بطبيعته لا يستطيع أنْ يعطي ويتعب إلا بعد راحة ، والذي يتحدَّى هذه الطبيعة فيسهر الليل ويعمل بالنهار لا بُدَّ أنْ ينقطع ، وأن تُنهَك قواه فلا يستمر . لذلك يقول تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 1 - 4 ] . فكلٌّ من الليل والنهار له مهمة ، وكذلك الرجل والمرأة ، فإياكم أنْ تخلطوا هذه المهام ، وإلا فسدت الحياة وأتعبتكم الأحداث ، فقبل الكهرباء ودخول التليفزيون والفيديو المنازل كان يومنا يبدأ في نشاط مع صلاة الفجر ، لأننا كنا ننام بعد صلاة العشاء ، أما الآن فالحال كما ترى ، كنا نستقبل يومنا بحركة سليمة نشطة لأننا نستقبل الليل بسكون سليم وهدوء تام . والحق سبحانه في معرض تعداد نعمه علينا يقول { أَرَأَيْتُمْ … } [ القصص : 71 ] يعني : أخبروني ماذا تفعلون { إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ … } [ القصص : 71 ] يعني : طوال حياتكم { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ … } [ القصص : 71 ] والسرمد : الدائم المستمر . وقال { بِضِيَآءٍ … } [ القصص : 71 ] ولم يقل بنور لأن النور قد يأتي من النجوم ، وقد يأتي من القمر ، أمّا الضياء وهو نور وأشعة وحرارة ، فلا يأتي إلا من الشمس . لذلك يقول سبحانه : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً … } [ يونس : 5 ] . وقال : { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ … } [ القصص : 71 ] ولم يقُلْ : مَنْ يأتيكم بضياء ليلفت نظرنا إلى أن هذه المسألة لا يقدر عليها إلا إله ، ولا إله إلا الله ، وفي الضياء تبصرون الأشياء ، وتسيرون على هُدىً ، فتؤدون حركات حياتكم دون اصطدام أو اضطراب ، وبالضياء أعايش الأشياء في سلامة لي ولها ، وإلاَّ لو سرْنا في الظلام لتحطمنا أو حطّمنا ما حولنا لأنك حين تسير في الظلام إمّا أنْ تحطم ما هو أقل منك ، أو يحطمك ما هو أقوى منك . وكما يكون الضياء في الماديات يكون كذلك له دور في المعنويات ، وضياء المعنويات القيم التي تحكم حركة الحياة وتعدلها ، وتحميك أنْ تُحطِّم مَنْ هو أضعف منك ، أو أنْ يُحطمك الأقوى منك لذلك كان منطقياً أن يقول تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ … } [ الأحزاب : 43 ] . والمراد : من ظلمات المعاني إلى نور القيم ، لا ظلمات المادة لأنني لا أستغني عنه لراحتي ، فله مهمة عندي لا تقلّ عن مهمة النور لذلك يقول تعالى في وصفه لنوره عز وجل { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ … } [ النور : 35 ] . نور مادي تُبصرون به الأشياء من حولكم ، فلا تتخبطون بها ، فتسلَم حركتكم ، وهذا النور المادي يشترك فيه المؤمن والكافر ، وينتفع به المطيع والعاصي ، فلم يضِنّ به على أحد من خَلْقه ، أما النور المعنوي نور الهداية ونور اليقين والقيم ، فهذا يرسله الله على يدَيْ رسُله ، فإذا أخذ المؤمن النورين انتفع بهما في الدنيا ، وامتد نفعه بهما إلى يوم القيامة لذلك قال بعدها : { يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ … } [ النور : 35 ] . ولأن الآية الكريمة بدأت بقُلْ ، فمن المناسب أنْ تختم بقوله تعالى : { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [ القصص : 71 ] يعني : اسمعوا ما أقول لكم وتدبروه . ثم يمتنُّ الله تعالى بالآية المقابلة لليل ، وهي آية النهار : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ … } [ القصص : 72 ] يعني : دائم لا نهاية له { مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 72 ] . تلحظ أن هاتين الآيتين على نَسَق واحد ، لكن تذييلهما مختلف ، مما يدلُّ على بلاغة وإعجاز القرآن ، فلكلِّ معنىً ما يناسبه ، ففي آية الليل قال { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [ القصص : 71 ] وفي آية النهار قال : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 72 ] ذلك لأن العين لا عملَ لها في الليل إنما للأذن ، فأنت تسمع دون أنْ ترى ، وبالأذن يتمُّ الاستدعاء . أما في النهار وفي وجود الضوء ، فالعمل للعين حيث تبصر ، فهو إذن ختام حكيم للآيات يضع المعنى فيما يناسبه . ثم يُجمل الله تعالى هاتين الآيتين في قوله سبحانه : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ … } .