Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 75-75)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أي : أخرجنا من كل أمة نبيّها ، وأحضرناه ليكون شاهداً عليها { فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ … } [ القصص : 75 ] أرونا شركاءكم الذين اتخذتموهم من دون الله ، أين هم ليدافعوا عنكم ؟ لكن هيهات ، فقد اتخذتموهم من دون الله ، أين هم ليدافعوا عنكم ؟ لكن هيهات ، فقد ضلَّوا عنهم ، وهربوا منهم . { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } [ القصص : 66 ] . إذن : غاب شركاؤكم ، وغاب شهودكم ، لكن شهودنا موجودون { وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً … } [ القصص : 75 ] يشهد أنه بلَّغهم منهج الله فإنْ قُلْتم : لقد أغوانا الشيطان وأغوانا المضلون من الإنس ، نردّ عليكم بأننا ما تركناكم لإغوائهم ، فيكون لكم عذر ، إنما أرسلنا إليكم رسلاً لهدايتكم ، وقد بلّغكم الرسل . وفي موضع آخر يقول تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . فماذا يكون موقفهم يوم تشهد أنت عليهم بأنك بلَّغت ، وأعذرتَ في البلاغ ، وأنك اضطهدت منهم ، وأوذيت ، وقد ضلَّ عنهم شركاؤهم ، ولم يجدوا مَنْ يشهد لهم أو يدافع عنهم ؟ عندها تسقط أعذارهم وتكون المحكمة قد تنوَّرت . ثم يقول تعالى : { فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ … } [ القصص : 75 ] أي : قولوا : إن رسلنا لم يُبلِّغوكم منهجنا ، وهاتوا حجة تدفع عنكم ، فلما تحيَّروا وأُسقِط في أيديهم حيث غاب شهداؤهم وحضر الشهداء عليهم { فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ … } [ القصص : 75 ] . وفوجئوا كما قال تعالى عنهم : { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ … } [ النور : 39 ] . وقال : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً … } [ الكهف : 49 ] . فوجئوا بما لم يُصدِّقوا به ولم يؤمنوا به ، لكن ما وجه هذه المفاجأة ، وقد أخبرناهم بها في الدنيا وأعطيناهم مناعة كان من الواجب أنْ يأخذوا بها ، وأنْ يستعدوا لهذا الموقف ، فالعاقل حين تُحذره من وعورة الطريق الذي سيسلكه وما فيه من مخاطر وأهوال ينبغي عليه أنْ ينصرفَ عنه ، إنْ كان الناصح له صادقاً ، ولا عليه حين يحتاط لنفسه أنْ يكون ناصحه كاذباً ، على حَدِّ قول الشاعر : @ زَعَم المنجِّمُ والطبيبُ كِلاهٌما لا تُبعَثُ الأجسَادُ قُلْتُ إليكُما إن صَحَّ قولكُمَا فلسْتُ بخاسِرٍ أوْ صَحَّ قَوْلي فالخسَار عليكُما @@ وما عليك إنْ حملتَ بندقية في هذا الطريق المخوف ، ثم لم تجد شيئاً يخيفك ؟ إذن : أنتم إنْ لم تخسروا فلن تكسبوا شيئاً ، ونحن إنْ لم نكسب لن نخسر . وقوله : { وَضَلَّ عَنْهُمْ … } [ القصص : 75 ] أي : غاب { مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [ القصص : 75 ] من ادّعاه الشركاء . بعد أن أعطانا الحق - تبارك وتعالى - لقطة من لقطات يوم القيامة ، والقيامة لا تخيف إلا مَنْ يؤمن بها ، أما مَنْ لا يؤمن بالآخرة والقيامة فلا بُدَّ له من رادع آخر لأن الحق سبحانه يريد أنْ يحمي صلاح الكون وحركة الحياة . ولو اقتصر الجزاء على القيامة لعربد غير المؤمنين واستشرى فسادهم ، ولَشقي الناس بهم ، والله تعالى يريد أنْ يحمي حركة الحياة من المفسدين من غير المؤمنين بالآخرة ، فيجعل لهم عذاباً في الدنيا قبل عذاب الآخرة . يقول تعالى : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ … } [ الطور : 47 ] يعني : قبل عذاب الآخرة . فالذي يقع للكفار في الدنيا رَدْع لكل ظالم يحاول أنْ يعتدي ، وأنْ يقف في وجه الحق لذلك يعطينا ربنا - عز وجل - صورة لهذا العذاب الدنيوي للمفسدين في الأرض ، فيقول سبحانه : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ … } .