Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 79-79)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : إن قارون كان بطبيعة الحال غنياً وجيهاً ، حَسَن الصوت والصورة ، كثير العدد ، كثير المال ، فكيف لو أضفت إلى هذا كله أن يخرج في زينته وفي موكب عظيم ، وفي أبهة { فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ … } [ القصص : 79 ] . وللعلماء كلام كثير في هذه الزينة التي خرج فيها قارون ، فقد كان فيها ألف جارية من صفاتهن كذا وكذا ، وألف فرس … إلخ ، حتى أن الناس انبهروا به وبزينته ، بل وانقسموا بسببه قسمين : جماعة فُتِنوا به ، وأخذهم بريق النعمة والزينة والزهو وترف الحياة ، ومدُّوا أعينهم إلى ما هو فيه من متعة الدنيا . وفي هؤلاء يقول تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ القصص : 79 ] وقد خاطب الحق - تبارك وتعالى - نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا … } [ طه : 131 ] . والمعنى : لا تنظر إلى ما في يد غيرك ، واحترم قدر الله في خَلْق الله ، واعلم أنك إنْ فرحت بالنعمة عند غيرك أتاك خيرها يطرق بابك وخدمتْك كأنها عندك ، وإنْ كرهتها وحسدته عليها تأبَّت عليك ، وحُرِمْت نفعها لأن النعمة أعشق لصاحبها من عشقه لها ، فكيف تأتيه وهو كاره لها عند غيره ؟ لذلك من صفات المؤمن أن يحب الخير عند أخيه كما يحبه لنفسه ، وحين لا تحب النعمة عند غيرك ، فما ذنبه هو ؟ فكأنك تعترض على قدر الله فيه ، وما دُمْتَ قد تأبيت واعترضت على قدر المنعم ، فلا بُدَّ أن يحرمك منها . لذلك يقول سبحانه في موضع آخر : { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ … } [ النساء : 32 ] . لأن لكل منكم مهمة ودوراً في الحياة ، ولكل منكم مواهبه وميزاته التي يمتاز بها عن الآخرين ، ولا بُدَّ أن يكون فيك خصال أحسن ممن تحسده ، لكنك غافل عنها غير متنبه لها . وسبق أن قلنا : إن الحق سبحانه قد وزَّع أسباب فَضْله على خَلْقه لأننا جميعاً أمام الله سواء ، وهو سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً لذلك قلنا : إن مجموع مواهب كل فرد تساوي مجموع مواهب الآخر ، فقد تزيد أنت عني في خصلة ، وأزيد عنك في أخرى ، فهذا يمتاز بالذكاء ، وهذا بالصحة ، وهذا بالعلم ، وهذا بالحِلْم … إلخ . لأن حركة الحياة تتطلب كل هذه الإمكانيات ، فبها تتكامل الحياة ، وليس من الممكن أن تتوفر كل هذه المزايا لشخص واحد يقوم بكل الأعمال ، بل إنْ تميزْتَ في عملك ، وأتقنتَ مهمتك فلك الشكر . ومن العجيب ألاَّ تنتفع أنت بنبوغك ، في حين ينتفع به غيرك ، ومن ذلك قولهم مثلاً باب النجار مخلع ، فلماذا لا يصنع باباً لنفسه ، وهو نجار ؟ قالوا : لأنه الباب الوحيد الذي لا يتقاضى عليه أجراً . إذن : حينما تجد غيرك مُتفوِّقاً في شيء فلا تحقد عليه لأن تفوقه سيعود عليك ، وضربنا لذلك مثلاً بشيء بسيط حين تمسك المقصَّ بيدك اليمنى لتقصَّ أظافر اليد اليسرى تجد أن اليد اليمنى - لأنها مرنة سهلة الحركة - تقصُّ أظافر اليسرى بدقة ، أما حين تقصُّ اليسرى أظافر اليمنى فإنها لا تعطيك نفس المهارة التي كانت لليمنى . إذن : فحُسْن اليمنى تعدَّى لليُسْرى ونفعها . وهكذا إذا رأيتَ أخاك قد تفوَّق في شيء أو أحسن في صُنْعه فاحمد الله لأن حُسْنه وتفوقه سيعود عليك ، وقد لا يعود عليه هو ، فلا تحسده ، ولا تحقد عليه ، بل ادْعُ له بالمزيد لأنك ستنتفع به في يوم من الأيام . لكن ماذا قال أهل الدنيا الذين بُهِروا بزينة قارون ؟ قالوا : { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ القصص : 79 ] يعني : كما نقول نحن حظه بمب لأن هؤلاء لا يعنيهم إلا أمر الدنيا ومُتعها وزُخْرفها ، أما أهل العلم وأهل المعرفة فلهم رأْيٌ مخالف ، ونظرة أبعد للأمور لذلك رَدُّوا عليهم : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ … } .