Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 82-82)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد كانوا بالأمس يقولون { يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ … } [ القصص : 79 ] ، لكن اليوم وبعد أن عاينوا ما حاق به من عذاب الله وبأسه الذي لا يُردُّ عن القوم الكافرين - اليوم يثوبون إلى رُشْدهم ويقولون : { وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ … } [ القصص : 82 ] . كلمة وَيْ اسم فعل مثل : أُفٍّ وهيهات ، وتدل على الندم والتحسُّر على ما حدث منك ، فهي تنديد وتَخْطيءٌ للفعل ، وقد تُقال وَيْ للتعجب . فقولهم وي ندماً على ما كان منهم من تمني النعمة التي تنعَّم بها قارون وتخطيئاًَ لأنفسهم ، بعد أنْ شاهدوا الخَسْف به وبداره ، وهم يندمون الآن ويُخطِّئون أنفسهم لأن الله تعالى في رزقه حكمة وقدراً . { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ … } [ القصص : 82 ] أي : يقبض ويُضيق ، وليس بسْط الرزق دليل كرامة ، ولا تضييقه دليلَ إهانة ، بدليل أن الله يبسط الرزق لقارون ، ثم أخذه أخْذ عزيز مقتدر . وقد تعرضتْ سورة الفجر لهذه المسألة في قوله تعالى : { فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [ الفجر : 15 - 16 ] . فالأول اعتبر الرزق الواسع دليل الكرامة ، والآخر اعتبر التضييق دليلَ إهانة ، فردَّ الحق سبحانه عليهما ليُصحح هذه النظرة فقال : { كَلاَّ … } [ الفجر : 17 ] يعني : أنتما خاطئان ، فلا سعةَ الرزق دليلُ كرامة ، ولا تضييقه دليلُ إهانة ، وإلا فكيف يكون إيتاء المال دليلَ كرامة ، وأنا أعطي بعض الناس المال ، فلا يُؤدُّون حقَّ الله فيه ؟ { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً * وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } [ الفجر : 17 - 20 ] . إذن : فأيُّ كرامة في مال يكون وبالاً على صاحبه ، وابتلاء لا يُوفَّق فيه ، فلو سُلب هذا المال من صاحبه لكان خيراً له ، فما أشبهَ هذا المال بالسلاح في يد الذي لا يُحسِن استعماله ، فربما قتل نفسه به . وقوله تعالى : { لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا … } [ القصص : 82 ] لأنهم بالأمس تمنَّوْا مكانه ، أما الآن فيعترفون بأن الله مَنَّ عليهم حين نجاهم من هذا المصير ، ثم يقولون { وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } [ القصص : 82 ] تعجُّب من أنه لا يفلح الكافرون عند الله تعالى . وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه بقضية عامة ليفصل في هذه المسألة : { تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ … } .