Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 83-83)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لأنه لا يصح أنْ يعلو الإنسان على بني جنسه ، ولا على بيئته إلا بشيء ذاتي فيه ، فلا يصح أنْ يعلوَ بقوته لأنه قد يمرض ، فيصير إلى الضعف ، ولا بماله لأنه قد يُسلب منه . إذن : إياك أن تعلو على غيرك بشيء موهوب لك ، إنْ أردتَ فبشيء ذاتي فيك ، وليس فيك شيء ذاتي ، فلست أفضلَ من أحد حتى تعلو عليه ، كما أن الدنيا أغيار ، وربما انتقل ما عندك إليهم ، فهل يسرُّك إنْ صار غيرك غنياً أو قوياً أنْ يتعالى عليك ؟ ثم أنت لا تستطيع العلو إلا بالاعتماد على قوة أعلى منك تسندك ، وجرِّب بنفسك وحاول أن تقفز إلى أعلى كلاعب السيرك ، ثم أمسك نفسك في هذا العلو ، وطبعاً لن تستطيع ، لماذا ؟ لأنه لا ذاتية لك في العُلو . وما دام الأمر كذلك ، فإياك أنْ تعلو لأنك بعلوِّك تُحْفِظُ الآخرين فإنْ حصل لك العكس شمتوا فيك ، وأيضاً لأن الإنسان لا يعلو في بيئة ولا في مكان إلا إذا رأى كل مَنْ حوله دونه ، وحين ترى أن كل الناس دونك فأنت لم تتنبه إلى أسرار فَضلْ الله في خَلْقه . ولو تأملت لوجدتَ في كل منهم خصلة ليست عندك ، ولو قدَّرت أن الناس جميعاً عيالُ الله وخَلْقه ، وليس منا مَنْ بينه وبين الله نسب أو قرابة ونحن جميعاً عنده تعالى سواء ، وقد وزّع المواهب بيننا جميعاً بالتساوي ، وبالتالي لا يمتاز أحد على أحد ، فلم التعالي إذن ؟ ولِمَ الكبر ؟ وأيضاً الذي يتعالى لا يتعالى إلا في غفلة منه عن ملاحظة كبرياء ربه ، وإلا فالذي يستحضر عظمة ربه وكبرياءه لا بُدَّ له أنْ يتواضع ، وأنْ يتضاءل أمام كبريائه تعالى ، وأنْ يستحي أن يتكبر على خَلْقه . والنبي صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا كيف نحترم الآخرين ؟ وكيف نتواضع لهم ؟ فلما دخل عليه الصحابي الجليل عدي بن حاتم قام عن كرامة مجلسه له ، يعني : إن كانْ جالساً على وسادة مثلاً يقوم عنها ، ويعطيها لصاحبه ليجلس هو عليها . وهكذا يحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على المساواة في المجلس لذلك قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد أنك لا تريد عُلُواً في الأرض ، وأشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأسلم . وعجيب ما نراه مثلاً في مساجدنا ، وهي بيوت الله وأَوْلَى الأماكن بهذه المساواة ، فتراهم إذا دخل أحد أصحاب النفوذ يفرشون له مُصلّى ليصلي عليها ، مع أن المسجد مفروش ، وعلى أعلى مستوى من النظافة ، فلماذا هذا التمييز ؟ ومع ذلك نجد منهم مَنْ يزيح هذه المصلَّى جانباً ، ويصلي كما يصلي بقية الناس ، وأظن أن الذي يقبل أنْ تُوضع له هذه المصلى أظنه يبتغي علواً في الأرض . والحق سبحانه يريد للإنسان أن يعيش سوىَّ الحركة في أسوياء لتظل القلوب متآلفة ، لا يداخلها ضغن ، وإذا خلَتْ القلوب من الضِّغن وَسِع الناسَ جميعاً رغيفُ عيشٍ واحد . ثم يقول سبحانه : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] أي : العاقبة الخيِّرة ، والعاقبة الحسنة في النعيم المقيم الدائم للمتقين . ثم يقول الحق سبحانه : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ … } .