Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 86-86)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني : إذا كنت تتعجب ، أو تستبعد أنْ نردَّك إلى بلدك لأن الكفار يقفون لك بالمرصاد ، حتى أصبحت لا تُصدِّق أنْ تعود إليها ، فانظر إلى أصل الرسالة معك : هل كنت تفكر أو يتسامى طموحك إلى أنْ تكون رسولاً ؟ إنه أمر لم يكُنْ في بالك ، ومع ذلك أعطاك الله إياه واختارك له ، فالذي أعطاك الرسالة ولم تكُنْ في بالك كيف يحرمك من أمر أنت تحبه وتشتاق إليه ؟ إذن : تقوم هذه الآية مقامَ الدليل والبرهان على صِدْق { لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ … } [ القصص : 85 ] وفي موضع آخر يؤكد الحق سبحانه هذا المعنى ، فيقول سبحانه : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآء … } [ الشورى : 52 ] فالذي أعطاك الرسالة لا يعجز أن يحقق لك ما تريد . وقوله تعالى : { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ … } [ القصص : 86 ] هذا استثناء يسمونه استثناء منقطعاً . والمعنى : ما كنت ترجو أن يُلْقى إليك الكتاب إنما ألقيناه ، وما ألقيناه إليك إلا رحمة لك من ربك . وما دام هؤلاء الكفار عاندوك وأخرجوك ، فإياك أنْ تلين لهم { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ } [ القصص : 86 ] أي : معيناً لهم مسانداً ، وكانوا قد اقترحوا على رسول الله أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدون إلهه سنة ، فحذره الله أنْ يُعينهم على ضلالهم ، أو يجاريهم في باطلهم ، لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يناصر ظالماً أو مجرماً ، حتى إن كان من أتباعه . وسبق أن ذكرنا في تأويل قوله تعالى : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [ النساء : 105 ] قصة اليهودي زيد بن السمين لما جاءه المسلم طُعْمة بن أبيريق ، وأودع عنده دِرْعاً له ، وكان هذا الدرع مسروقاً من آخر اسمه قتادة بن النعمانَ ، فلما افتقده قتادة بحث عنه حتى وجده في بيت اليهودي ، وكان السارق قد وضعه في كيس للدقيق ، فدلَّ أثر الدقيق على مكان الدرع فاتهموا اليهودي بالسرقة ، ولما عرفوا حقيقة الموقف أشفقوا أن ينتصر اليهودي على المسلم ، خاصة وهم حديثو عهد بالإسلام ، حريصون على ألاّ تُشوه صورته . لذلك شرحوا لرسول الله هذه المسألة ، لعله يجد لها مخرجاً ، فأدار رسول الله المسألة في رأسه قبل أنْ يأخذ فيها حُكْماً وعندها نزل الوحي على رسول الله : { إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ … } [ النساء : 105 ] أي : جميع الناس ، المؤمن والكافر { بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } [ النساء : 105 ] أي : تخاصم من أجلهم ولصالحهم { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } [ النساء : 106 ] أي : مما خطر ببالك في هذه المسألة . وفي بعض الآيات نجد في ظاهرها قسوة على رسول الله وشدة مثل : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } [ الحاقة : 44 - 46 ] . وكل ما يكون في القرآن من هذا القبيل لا يُقصد به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما الحق سبحانه يريد أن يعطي للأمة نموذجاً يلفت أنظارهم ، وكأنه تعالى يقول لنا : انتبهوا فإذا كان الخطاب لرسول الله بهذه الطريقة ، فكيف يكون الخطاب لكم ؟ كأن يكون عندك خادم يعبث بالأشياء حوله ، فتُوجِّه الكلام أنت إلى ولدك : والله لو عبثتَ بشيء لأفعلنَّ بك كذا وكذا ، فتوجِّه الزجر إلى الولد ، وأنت تقصد الخادم ، على حَدِّ المثل القائل إياك أعني واسمعي يا جارة . لذلك يقول بعض العارفين : @ مَا كان في القُرآن مِنْ نِذَارةٍ إلى النبيِّ صَاحبِ البشَارةِ فكُنْ لَبيباً وافْهَم الإشَارةَ إيّاك أعني واسْمعِي يَا جَارة @@ يعني : اسمعوا يا أمة محمد ، كيف أخاطبه ، وأُوجِّه إليه النذارة ، مع أنه البشير . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ … } .