Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 9-9)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { قُرَّةُ عَيْنٍ … } [ القصص : 9 ] مادة قرَّ تقول : قرَّ بالمكان يعني : أقام وثبت به ، ومنه قرور يعني : ثبات ، وتأتي قرَّ بمعنى البرد الشديد ، ومنه قول الشاعر : @ أَوْقِدْ فإنَّ الليْلَ لَيْلٌ قُرٌّ والرِّيحُ يَا غُلاَمُ رِيحٌ صرّ إنْ جلبْتَ ضَيْفاً فأنتَ حُرّ @@ إذن : قرة العين إما بمعنى ثباتها وعدم حركتها ، وثبات العين واستقرارها إما يكون ثباتاً حسياً ، أو معنوياً ، والثبات المعنوي : أنْ تستقر العين على منظر أو شيء بحيث تكتفي وتقنع به ، ويغنيها عن التطلُّع لغيره . ومنه قولهم : فلان ليس له تطلعات أخرى ، يعني اكتفى بما عنده ، ومنه ما قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ … } [ طه : 131 ] . لذلك يُسمُّون الشيء الجميل الذي يجذب النظر ، فلا ينظر إلى غيره قيد النظر يقول الشاعر : @ سَمَّرْتُ عَيْني في القَمَرِ فَنَالَ مِنِّي مَنْ نَظَر يَا ليْتَ لائمي عذر فحُسْنه قَيْد النَّظرْ @@ أما الثبات الحسي فيعني : ثبات العين في ذاتها بحيث لا ترى ، ومنه قول المرأة للخليفة : أقرَّ الله عينك ، وأتم عليك نعمتك . تُوهِم أنها تدعو له ، وهي في الحقيقة تدعو عليه تقصد : أقرَّ الله عينك . يعني : سكَّنها وجمدها بالعمى ، وأتمَّ عليك نعمتك . وتمام الشيء بداية نقصه على حَدِّ قول الشاعر : @ إذَا تَمَّ شَيء بَدَا نَقْصُه ترقَّبْ زَوَالاً إذاَ قِيلَ تَمّ @@ أما القرُّ بمعنى البرد ، فمن المعلوم عن الحرارة أن من طبيعتها الاستطراق والانتشار في المكان ، لكن حكمة الله خرقتْ هذه القاعدة في حرارة جسم الإنسان ، حيث جعل لكل عضو فيه حرارته الخاصة ، فالجلد الخارجي تقف حرارته الطبيعية عند 37 ، في حين أن الكبد مثلاً لا يؤدي مهمته إلا عند 40 . أما العين فإذا زادتْ حرارتها عن 9 تنصهر ، ويفقد الإنسان البصر ، والعجيب أنهما عضوان في جسم واحد ، فهي آية من آيات الله في الخلق ، لذلك حين ندعو لشخص نقول له : أقرَّ الله عينك يعني : جعلها باردة سالمة ، ألاَ ترى أن الإنسان إذا غَضِب تسخنُ عينه ويحمّر وجهه ؟ فالمعنى هنا { قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ } [ القصص : 9 ] يعني يكون نعمة ومتعة لنا ، نفرح به ونقنع ، فلا ننظر إلى غيره . وفي موضع آخر يشرح لنا الحق سبحانه قُرَّة العين : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ … } [ الأحزاب : 18 - 19 ] . فهؤلاء تدور أعينهم هنا وهناك كما نقول نحن : فلان عينه لايجة يعني : لا تهدأ ، إما من خوف ، أو من قلق ، أو من اضطراب ، وهذا كله ينافي قُرَّة العين . وقولها بعد ذلك { لاَ تَقْتُلُوهُ … } [ القصص : 9 ] تعني : أنهم فعلاً هَمُّوا بقتله ، ففي بالهم إذن أن هلاك فرعون على يدي هذا الطفل ، وهم على يقين من ذلك . { عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ القصص : 9 ] يعني : لا يشعرون بنفعه لهم أو عدم نفعه ، وهل سيكون لهم ولداً أم عدواً ؟ ثم يقول الحق سبحانه : { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ … } .