Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفؤاد : هو القلب ، لكن لا يُسمى القلب فؤاداً إلا إذا كانت فيه قضايا تحكم حركتك ، فالمعنى : أصبح فؤاد أم موسى { فَارِغاً … } [ القصص : 10 ] أي : لا شيء فيه مما يضبط السلوك ، فحين ذهبتْ لترمي بالطفل وتذكرت فراقه وما سيتعرض له من أخطار كادت مشاعر الأمومة عندها أن تكشف سِرَّها ، وكادت أنْ تسرقها هذه العاطفة . { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ … } [ القصص : 10 ] يعني : تكشف أمره { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا } [ القصص : 10 ] . وسبق أنْ قُلْنا : إن الإنسان يدرك الأشياء بآلات الإدراك عنده ، ثم يتحول هذا الإدراك إلى وجدان وعاطفة ، ثم إلى نزوع وعمل ، ومثَّلْنا لذلك بالوردة التي تراها بعينيك ، ثم تعجب بها ، ثم تنزع إلى قطفها ، وعند النزوع تواجهك قضايا في الفؤاد تقول لك : لا يحق لك ذلك ، فربما رفض صاحب البستان أو قاضاك ، فالوردة ليست مِلْكاً لك . وكذلك أم موسى ، كان فؤادها فارغاً من القضية التي تُطمئنها على وليدها ، بحيث لا تُفشي عواطفها هذا السر . ومعنى { رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا … } [ القصص : 10 ] أي : ثبَّتْناها ليكون الأمر عندها عقيدة راسخة لا تطفو على سطح العاطفة ، ومن ذلك قوله تعالى عن أهل الكهف : { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ الكهف : 14 ] . إذن : الربْط على القلب معناه الاحتفاظ بالقضايا التي تتدخل في النزوع ، فإنْ كان لا يصح أن تفعل فلا تفعل ، وإنْ كان يصح أنْ تفعل فافعل ، فهذه القضايا الراسخة هي التي تضبط التصرفات ، وكان فؤاد أم موسى فارغاً منها . لذلك نقول لمن يتكلم بالكلام الفارغ الذي لا معنى له : دَعْكَ من هذا الكلام الفارغ - أي : الذي لا معنى له ولا فائدةَ منه ، ومن ذلك قولهم : فلان عقله فارغ يعني : من القضايا النافعة . وإلا فليس هناك شيء فارغ تماماً ، لا بُدَّ أن يكون فيه شيء ، حتى لو كان الهواء . ومنه قوله تعالى : { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ … } [ إبراهيم : 43 ] ويقولون في العامية : فلان معندوش ولا الهوا ذلك لأن الهواء آخر ما يمكن أن يفرغ منه الشيء . ومعنى : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ … } [ القصص : 10 ] يعني : قاربت من فراغ فؤادها أن تقول إنه ولدي { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ القصص : 10 ] لإن الإيمان هو الذي يجلب لك النفع ، ويمنعك من الضار ، وإنْ كان فيه شهوة عاجلة لك ، فمنعها إيمانُها من شهوة الأمومة في هذا الموقف ، ومن ممارسة العطف والحنان الطبيعيين في الأم لأن هذه شهوة عاجلة يتبعها ضرر كبير ، فإنْ أحسُّوا أنه ولدها قتلوه . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ … } .