Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 50-50)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أي : بعد أنْ جاءهم القرآن وبعد أنْ أعجزهم يطلبون آيات أخرى ، وسبق أنْ قلنا : إن الحق سبحانه كان إذا اقترح القومُ آيةً من رسولهم فأجابهم إلى ما طلبوا ، فإنْ كذبوا بعدها أخذهم أَخْد عزيز مقتدر . واقرأ مثلاً قوله سبحانه : { وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا … } [ الإسراء : 59 ] فلما كذَّبوا بالآية التي طلبوها أهلكهم الله لأن المسألة إذن ليست مسألة آيات وإقناع ، إنما هي الإصرار على الكفر ، إذن : فطلب الإنزال لآية خاصة باقتراحهم ليس مانعاً لهم أنْ يكفروا أيضاً برسول الله . لذلك يقول سبحانه : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ … } [ الإسراء : 59 ] أي : التي اقترحوها { إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ … } [ الإسراء : 59 ] وحين تنزل الآية ويُكذِّبون بها تنزل بهم عقوبة السماء ، لكن الحق - سبحانه وتعالى - قطع العهد لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ألاَّ يُعذِّب أمته وهو فيهم ، كما قال سبحانه : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] . فهذا هو السبب المانع من أنْ تأتي الآية المقترحة ، ثم إن الآيات المقترحة آيات كونية تأتي وتذهب ، كما تشعل عود الثقاب مرة واحدة ، ثم ينطفئ ، رآه مَنْ رآه ، وأصبح خبراً لمن لم يَرَه . وكلمة { لَوْلاَ … } [ العنكبوت : 50 ] تستخدم في لغة العرب استخدامين : إنْ دخلتْ على الجملة الاسمية مثل : لولا زيد عندك لَزرتُك ، وهي هنا حرف امتناع لوجود ، فقد امتنعتْ الزيارة لوجود زيد . وإنْ دخلتْ على الجملة الفعلية مثل : لولا تذاكر دروسك ، فهي للحضِّ وللحثِّ على الفعل . فقولهم { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ … } [ العنكبوت : 50 ] كأن الآية التي جاءتهم من عند الله لا يعترفون بها ، ثم يناقضون أنفسهم حينما يقولون : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . إذن : أنتم معترفون بالقرآن ، مقتنعون به ، لكن ما يقف في حلوقكم أن ينزل على محمد من بين الناس جميعاً . ثم نراهم يناقضون أنفسهم في هذه أيضاً ، ويعترفون من حيث لا يشعرون بأن محمداً رسول الله حينما قالوا : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ … } [ المنافقون : 7 ] فما دُمْتم تعرفون أنه رسول الله ، فلماذا تُعادونه ؟ إذن : فالبديهة الفطرية تكذِّبهم ، ينطق الحق على ألسنتهم على حين غفلة منهم . ويرد الحق - تبارك وتعالى - عليهم : { قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ … } [ العنكبوت : 50 ] فهي عند الله ، ليست عندي ، وليست بالطلب حسب أهوائكم { وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ العنكبوت : 50 ] أي : هذه مهمتي ، واختار الإنذار مع أنه صلى الله عليه وسلم بشير ونذير ، لكن خَصَّهم هنا بالإنذار ، لأنهم أهل لِجَاج ، وأهل باطل وجحود ، فيناسبهم كلمة الإنذار دون البشارة . ثم يقول الحق سبحانه : { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ … } .