Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

عجيب أنْ يطلب الإنسان لنفسه العذاب ، وأن يستعجله إن أبطأ عليه ، إذن : ما طلبه هؤلاء إلا لاعتقادهم أنه غير واقع بهم ، وإلا لو وَثِقُوا من وقوعه ما طلبوه . { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } [ العنكبوت : 53 ] لأن كل شيء عند الله بميقات ، وأجل ، والأجل يختلف باختلاف أصحابه وهو أجل الناس وأعمارهم ، وهي آجال متفرقة فيهم ، لكن هناك أجل يجمعهم جميعاً ، ويتفقون فيه ، وهو أجل الساعة . فقوله تعالى : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] أي : بآجالهم المتفرقة . أما أجل القيامة فأجل واحد مُسمّى عنده تعالى ، ومن عجيب الفَرْق بين الأجلين أن الآجال المتفرقة في الدنيا تنهي حياة ، أمّا أجل الآخرة فتبدأ به الحياة . والمعنى { وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ … } [ العنكبوت : 53 ] أن المسألة ليست على هواهم ورغباتهم لذلك يقول تعالى : { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ … } [ الأنبياء : 37 ] ويقول : { سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] . لذلك " لما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية بينه وبين كفار مكة ، ورضي أنْ يعود بأصحابه دون أداء فريضة العمرة غضب الصحابة وعلي وعمر ، ولم يعجبهم هذا الصلح ، وكادوا يخالفون رسول الله غيرةً منهم على دينهم ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة رضي الله عنها وقال : " هلك المسلمون " قالت : ولم يا رسول الله ؟ قال : " أمرتهم فلم يمتثلوا " فقالت : يا رسول الله اعذرهم ، فهم مكروبون ، جاءوا على شَوْقٍ لبيت الله ، وكانوا على مقربة منه هكذا ، ثم يُمنعون ويُصدُّون ، اعذرهم يا رسول الله ، ولكن امْضِ فاصنع ما أمرك الله به ودَعْهم ، فإنْ هم رأوْكَ فعلتَ فعلوا ، وعلموا أن ذلك عزيمة . وفعلاً ذهب رسول الله ، وتحلّل من عمرته ، ففعل القوم مثله " ، ونجحت مشورة السيدة أم سلمة ، وأنقذت الموقف . " ثم بيَّن الله لهم الحكمة في العودة هذا العام دون قتال ، ففي مكة إخوان لكم آمنوا ، ويكتمون إيمانهم ، فإنْ دخلتم عليهم مكة فسوف تقتلونهم دون علم بإيمانهم . وكان عمر - رضي الله عنه - كعادته شديداً في الحق ، فقال : يا رسول الله ، ألسنا على الحق ؟ قال : صلى الله عليه وسلم : " بلى " قال : أليسوا على الباطل ؟ قال صلى الله عليه وسلم " بلى " قال : فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال أبو بكر : الزم غَرْزك يا عمر " . يعني قِف عند حدِّك وحجِّم نفسك ، ثم قال بعدها ليبرر هذه المعاهدة : ما كان فتح في الإسلام أعظمَ من فتح الحديبية - لا فتح مكة . لماذا ؟ لأن الحديبية انتزعت من الكفار الاعترافَ بمحمد ، وقد كانوا معارضين له غير معترفين بدعوته ، والآن يكاتبونه معاهدة ويتفقون معه على رأي ، ثم إنها أعطت رسول الله فرصة للتفرغ لأمر الدعوة ونشرها في ربوع الجزيرة العربية ، لكن في وقتها لم يتسع ظنُّ الناس لما بين محمد وربه ، والعباد عادةً ما يعجلون ، والله - عز وجل - لا يعجل بعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد سبحانه . ثم يقول تعالى : { وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ العنكبوت : 53 ] يعني : فجأة ، وليس حسب رغبتهم { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [ العنكبوت : 53 ] لا يشعرون ساعتها أم لا يشعرون الآن أنها حق ، وأنها واقعة لأجل مسمى ؟ المراد لا يشعرون الآن أنها آتية ، وأن لها أجلاً مُسمى ، وسوف تباغتهم بأهوالها ، فكان عليهم أن يعلموا هذه من الآن ، وأن يؤمنوا بها . إذن : فليس المراد أنهم لا يشعرون بالبغتة لأن شعورهم بالبغتة ساعتها لا ينفعهم بشيء . ثم يقول الحق سبحانه : { يَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ … } .