Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فهذه من صفات العاملين { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ … } [ العنكبوت : 59 ] فلا تظن أن العمل ما كان في بحبوحة العيش وترَف الحياة ، فالعامل الحق هو الذي يصبر ، وكلمة { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ … } [ العنكبوت : 59 ] تدل على أنه سيتعرَّض للابتلاء ، كما قال سبحانه : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . فالذين اضطهدوا وعُذِّبوا حتى اضطروا للهجرة بدينهم صبروا ، لكن هناك ما هو أكبر من الصبر لأن خَصْمك من الجائز أنْ يصبر عليك ، فيحتاج الأمر إلى المصابرة لذلك قال سبحانه { ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ } [ آل عمران : 200 ] ومعنى : صابره . يعني : تنافس معه في الصبر . والصبر يكون على آفات الحياة لتتحملها ، ويكون على مشقة التكاليف ، وعلى إغراء المعصية ، يقولون : صبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ، وصدق الشاعر حين قال : @ وكُنْ رجلاً كالضِّرس يرسُو مكَانَهُ ليَمْضُغَ لاَ يَعْنيه حُلْو ولاَ مُرّ @@ فالمعنى { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ … } [ العنكبوت : 59 ] على الإيذاء { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ العنكبوت : 59 ] أي : في الرزق ، وكان المهاجرون عند هجرتهم يهتمون لأمر الرزق يقولون : ليس لنا هناك دار ولا عقار ولا … إلخ . فأراد سبحانه أنْ يُطمئِن قلوبهم على مسألة الرزق ، فقال { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ العنكبوت : 59 ] . فالذي خلقك لا بُدَّ أنْ يخلق لك رزقك ، ومن عجيب أمر الرزق أن رزقك ليس هو ما تملك إنما ما تنتفع به حقيقة ، فقد تملك شيئاً ويُسرق منك ، وقد يُطهى لك الطعام ، ولا تأكله ، بل أدقّ من ذلك قد تأكله ولا يصل إلى معدتك ، وربما يصل إلى المعدة وتقيئه ، وأكثر من ذلك قد يتمثل الغذاء إلى دم ثم ينزف منك في جُرْح أو لدغة بعوضة أو غير ذلك لأن هذا ليس من رزقك أنت ، بل رزق لمخلوق آخر . إنك تعجب حينما ترى التمساح مثلاً على ضخامته وخوف الناس منه ، ومع ذلك تراه بعد أنْ يأكل يخرج إلى اليابسة ، حيث يفتح فمه لصغار الطيور ، فتتولى تنظيف ما بين أسنانه من فضلات الطعام ، وترى بينهما انسجاماً تاماً وتعاوناً إيجابياً ، فحين يتعرض التمساح مثلاً لهجمة الصياد يُحدِث الطير صوتاً معيناً يفهمه التمساح فيسرع بالهرب . فانظر من أين ينال هذا الطير قوته ؟ وأين خبأ الله له رزقه ؟ لذلك يقولون اللي شَقُّه خلق لقُّه . وسبق أن ضربنا مثلاً على خصوصية الرزق بالجنين في بطن أمه ، فحينما تحمل الأم بالجنين يتحول الدم إلى غذاء للطفل ، فإنْ لم تحمل نزل هذا الدم ليرمي به دون أنْ تستفيد منه الأم ، لماذا ؟ لأنه رِزْق الجنين ، وليس رزقها هي . لذلك نجد الآية بعدها تقول : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ … } .