Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 106-106)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهنا يجب أن نعلم أن الاسوداد والابيضاض هما من آثار اختلاف البيئات في الدنيا ، فالشخص الأسود يزيد الله في تكوينه عن الشخص الأبيض بما يناسب البيئة ، لأن المادة الملونة للبشرة في جسده موجودة بقوة ، لتعطيه اللون المناسب لمعايشة ظروف البيئة ، أما أبيض البشرة فلا يملك جسده القدر الكافي من المادة الملونة ، لأن بيئته لا تحتاج مثل هذه المادة الملونة . إذن فالسواد في الدنيا لصالح المسود ، أما في هذه الآية ، فهي تتحدث عما سوف نراه في الآخرة حيث يكون السواد والبياض مختلفين ، تماما كما تتبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات ، وكذلك يتبدل أمر السواد والبياض ، إنه لن يكون سواداً أو بياضاً من أجل البيئات . ولذلك ستتعجب يوم القيامة لأنك قد ترى إنساناً كان أسود في الدنيا ، وتجده أبيض في الآخرة ، وتجد إنساناً آخر كان لونه أبيض في الدنيا ثم صار أسود في الآخرة . فلا يظن ظان أن الإنسان الأسود في الدنيا مكروه من الله ، لا ، إن الله يعطي كل واحد ما يناسبه ، بدليل أن الله قد أمده باللون الذي يقويه على البيئة التي يحيا فيها . وفي مجالنا البشري ، نحن نعطي المصل لأي إنسان مسافر إلى مكان ما ، حتى نحميه من شر مرض في المكان الذي يذهب إليه ، كذلك خَلْقُ الله في الأرض فقد أعطى سبحانه لكل إنسان في تكوينه المناعة التي تحفظه فالله لا يكره السواد لأنه حماية للإنسان من البيئة . وهذه المسألة ستتبدل يوم القيامة كما تتبدل الأرض غير الأرض ، وتبيض الوجوه المؤمنة ، وتسود الوجوه الكافرة . أو أن البياض والسواد كليهما ، أمر اعتباري ، بدليل أنك ترى واحداً أبيض ولكن وجهه عليه غبرة ترهقه قترة ، وترى واحداً آخر أسود اللون ، ولكن نور اليقين يملأ وجهه ، وبريق الصلاح يشع منه ، وأنت لا تقدر أن تمنع عينيك من أن تديم النظر إليه ، ولذلك قال الحق : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 - 23 ] . أي أن ما في داخل النفس إنما ينضح على قالب الإنسان وتظهره ملامحه ، فقد يكون الأسود مضيء الوجه بالبشر والإشراق والتجلي بالجاذبية الآسرة ، وقد يكون الإنسان أبيض الوجه لكنه مظلم الروح . وهكذا نفهم أن اسوداد بشرة إنسان في الدنيا ، إنما هو لمساعدة الإنسان على التواؤم مع البيئة ، ومثال ذلك سواد العين وبياضها ، هل يستطيع أحد أن يقول : إن بياض العين أحسن من سوادها ، أو العكس ؟ . لا لأن كل شيء معد لمهمته . ومثال آخر : عندما يأتي عامل البناء ليثني عمود الحديد المستقيم ويلويه ، فهل يقال : إن هذا الإنسان قد عوج الحديد ؟ . لا إنه يريد أن يشكل عود الحديد ليكون صالحاً لمهمة معينة . وكذلك الاسوداد أو الابيضاض في الدنيا ، إنما أراده الله ليتناسب مع ظروف الحياة في البيئة ، أما في الآخرة فالدنيا قد زالت وفنيت ، والأرض لن تكون هي الأرض والسماء لن تكون هي السماء فالحق يقول : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } [ إبراهيم : 48 ] . فالمؤمن حين يرى ما أعده الله له من النعيم المقيم يقابل عطاء الله باستشراف نفس وسرور وانبساط ، أما الذي يرى مقعده من النار فلا بد أن يكون مظلم الوجه . والحق سبحانه يوجه سؤالاً لهؤلاء : " أكفرتم بعد إيمانكم " أو كأن هذا أمر يُفاجئ من كان يعرف هؤلاء الناس في الدنيا فقد رأوهم في الدنيا بيض الوجوه ، ولكن يرونهم يوم القيامة وعلى وجوههم غبرة سوداء وترهقهم قترة ، فيقولون لهم : " أكفرتم بعد إيمانكم " ؟ . وكأن ذلك هو سمة من يكفر بعد الإيمان . هذه هي سمتهم وعلامتهم في الآخرة أي ما الذي صيركم إلى هذا اللون ؟ إنه الكفر بعد الإيمان . فمن هم الذين كفروا بعد الإيمان ؟ هذا يعني أن الإيمان قد سبق ثم طرأ على الإيمان كفر ، وماتوا على ذلك الكفر ، وهذا قول ينطبق على الذين ارتدوا عن الإسلام مثل ابن الأسلت وغيره ، وهؤلاء كفروا بعد الإيمان . أو يكون " أكفرتم بعد إيمانكم " يجعلنا نقول : البعدية هنا لا بد أن يكون لها قبلية : ألم يأخذ الله على خلقه عهداً في عالم الذر حين استخرجهم من ظهر آدم ؟ وقال سبحانه : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ … } [ الأعراف : 172 ] . إنه إقرار إيماني موجود في عالم الذّر ، فمن جاء في الواقع لينقض هذه المسألة فقد كفر بعد إيمان . أو أكفرتم بعد إيمانكم بمحمد ، بعد أن جاءتكم به البشارات التي عرفتموها ، وقرأتموها في التوراة والإنجيل ، وقد تأكدتم أنه قادم لا محالة ، وأنه رسول هذه الأمة وخاتم الرسل ، وانطبق عليكم قول الحق : { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [ البقرة : 89 ] . إذن فهذا القول ، إما أن يكون في المرتدين ، وإما أن يكون الكفر في واقع الدنيا بعد الإيمان في عالم الذر عندما أخذ الله العهد على الناس جميعاً ، أو يكون الكفر بعد الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاءت به البشارة في التوراة والإنجيل ، أو يكون ذلك من أهل الأهواء الذين أخذوا الدين وجعلوه شيعاً ، كالفرق التي خرجت عن الإسلام ، وهي تدعى الانتساب إليه كالبهائية والقاديانية وغيرها . إن الآية تحتمل كل هذا ، وعندما نمعن النظر إلى النص القرآني نجده يستوعب كل هذه المعاني . وهنا نلاحظ أن الحق سبحانه أورد فقط : { أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [ آل عمران : 106 ] وهذا قول يختص بالكفار فقط يذوقون العذاب بسبب الكفر ، وذلك يعني أن المؤمن بإيمانه سينال ثواب عمله . يقول تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي … } .