Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 113-113)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهذا ما حدث بالفعل ، لكن أي آيات لله كانوا يتلونها ؟ إنها الآيات المهيمنة ، آيات القرآن ولماذا يقول الحق : { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] وهل هناك قراءة للقرآن ساعة السجود ؟ حتى نعرف تفسير ذلك لا بد لنا أن نعرف أن اليهود لا يصلون العتمة ، أي الصلاة في الليل ، وحتى يعطيهم الله السمة الإسلامية قال عنهم : " يسجدون " ويُعَرّفَهم بأنهم يقيمون صلاة العتمة ، - العشاء - وهي صلاة المسلمين ، وما داموا يصلون صلوات المسلمين ويسجدون ، إذن فهم مسلمون أو نفهم من قوله : " وهم يسجدون " أن الصلاة عنوان الخضوع ، والسجود أقوى سمات الخضوع في الصلاة . ما داموا يصلون فلا بد أنهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يؤدون الصلاة بخشوع كامل . ونعرف أن من حسن العبادة في الإسلام ، ومن السنن المعروفة قراءة القرآن ليلاً ، وصلاة التهجد ، وهذه في مدارج العملية الإيمانية التي يدخل بها الإنسان إلى مقام الإحسان . و " آناء " جمع " إنى " مثلها مثل " أمعاء " جمع " مِعى " . و " الآناء " هي مجموع الأوقات في الليل ، وليست في " إنى " واحد . فهناك مؤمن يقرأ القرآن في وقت من الليل ، ومؤمن آخر يقرأ القرآن في وقت آخر ، وكأن المؤمنين يقطعون الليل في قراءة للقرآن ، والذي يدخل مع ربه في مقام الإحسان ، فهو لا يصلي فقط صلاة العتمة وهي ستأخذ " إنًى " واحداً ، أي وقتاً واحداً ، ولكنه عندما يصلي في آناء الليل فذلك دليل على أنه يكرر الصلاة ، وزاد على المفترض عليه ، وما دام قد زاد على المفترض ، فهو لا يكتفي بتلاوة القرآن لأنه يريد أن يدخل في مقام الإحسان ، أي أنه وجد ربه أهلاً لأن يصلي له أكثر مما افترض عليه ، كأنه قد قال لنفسه : أنت كلفتني يارب بخمس صلوات لكنك يارب تستحق أكثر من ذلك وكأن هذا البعض من أهل الكتاب لم يكتفوا بإعلان الإيمان بالإسلام فقط ، ولكنهم دخلوا بثقلهم ، فصلوا آناء الليل . وأحبوا أن ينطبق عليهم قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } [ الذاريات : 15 - 16 ] . ما معنى " محسن " ؟ إنها وصف للإنسان الذي آمن بربه فعبَد الله بأكثر مما افترض تعبدنا الله بخمس صلوات فنزيدها لتصل إلى عشرين مَثَلاً ، ونحن تعبدنا الله بصيام شهر في العام ومنا من يصوم في كل شهر عدداً من الأيام . وتعبدنا بالزكاة بالنصاب ، ومنا من يزيد على النصاب ، وتعبدنا سبحانه بالحج مرة ، ومنا من يزيد عدد مرات الحج . فحين يريد العبد أن يدخل في مقام الإحسان فبابه هو أداء عبادات من جنس ما تعبده الله به فالعبد لا يخترع أو يقترح العبادة التي يعبد بها الله ، ولكنه يزيد فيما افترضه الله . وهؤلاء الذين آمنوا بالله من أهل الكتاب ويتحدث عنهم القرآن ، لقد دخلوا بثقلهم في الإسلام فصلوا آناء الليل وقرأوا القرآن ، ودخلوا مقام الإحسان ، وأرادوا أن يطبقوا القول الحق : { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } [ الذاريات : 17 ] . أي أنهم ما داموا قد صلوا في الليل ، وقليلاً ما هجعوا فلا بد أنهم قد أدوا الصلاة في آناء كثيرة من الليل . ونحن حين ندخل في مقام الإحسان ونصلي في الليل ، ونكون بارزين إلى السماء فلا يفصلنا شيء عنها ، وننظر فنجد نجوماً لامعة تحت السماء الدنيا ، وأهل السماء ينظرون للأرض فيجدون مثلما نجد من النجوم المتلألئة اللامعة في الأرض ، ويسألون عنها فيقال لهم : إنها البيوت التي يصلي أهلها آناء الليل وهم يسجدون ، وكل بيت فيه هذا يضيء كالنجوم لأهل السماء . ويضيف الحق في صفات هؤلاء : { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 18 ] وهل فرض الله على خلقه بأن يصلوا آناء الليل فلا يهجعون إلا قليلاً من الليل ؟ لا ، ولكن من يريد أن يدخل في مقام الإحسان ، فهو يفعل ذلك . أما المسلم العادي فيكتفي بصلاة العشاء ، وعندما يأتي الصبح فهو يؤدي الفريضة . لكن من يدخل في مقام الإحسان فقليلاً من الليل ما يهجع . وينطبق عليه القول الحق : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ الذاريات : 15 - 19 ] . وهذه دقة البيان القرآني التي توضح مقام الإحسان ، فيكون في مالهم حق للسائل والمحروم ، وليس هناك قدر معلوم للمال الذي يخرج ، لأن المقام هنا مقام الإحسان الذي يعلو مقام الإيمان ، ومقام الإيمان - كما نعرف - قد جاء ذكره في قوله الحق : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ * وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [ المعارج : 24 - 26 ] . فالإنسان في مقام الإيمان قد يقيد الإخراج من ماله بحدود الزكاة أو فوقها قليلاً ، لكن في مقام الإحسان فلا حدود لما يخرج من المال . وهكذا نعرف أن أهل الكتاب ليسوا سواء فمنهم من دخل الإسلام من باب الإحسان ، فقال فيهم الحق : { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] ، وكأن الحق بهذا الاستثناء الواضح . يؤكد لنا أننا لا يصح أن نظن أن أهل الكتاب جميعهم هم الذين جاء فيهم قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [ آل عمران : 112 ] لا فأهل الكتاب ليسوا سواء ، ولذلك لا يكون حكم الله منسحباً عليهم جميعاً ، فمن أهل الكتاب جماعة قائمة بتلاوة القرآن آناء الليل وهم يسجدون ، إنهم أمة قائمة ، وكلمة " قائم " هي ضد " قاعد " ، والقعود غير الجلوس ، فالجلوس يكون عن الاضطجاع فيقال : كان مضطجعاً فجلس . لكن عندما نقول : " كان قائماً " فإننا نقول فقعد ، فالقعود يكون بعد القيام . والقعود في الصلاة مريح ، أما القيام فهو غير مريح ، ونحن نعرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقف في الصلاة حتى تتورم قدماه لأن الثقل كله على القدمين ، ولكن عندما نقعد فنحن نوزع الثقل على جملة أعضاء الجسم . وعندما يصفهم الحق : { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } [ آل عمران : 113 ] فمعنى ذلك أنهم أخذوا أمانة أداء الفروض بكل إخلاص ، وكانوا يؤدون الصلاة باستدامة وخشوع . ويستمر الحق في وصفهم في الآية التالية : { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ … } .