Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 114-114)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهم بالإيمان بالله واليوم الآخر ، وبالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إنما يتصفون بالصفات التي أوردها الله صفة لخير أمة أخرجت للناس وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم . لقد دخل هذا البعض من أهل الكتاب بثقلهم - ومن أول الأمر - في مقام الإحسان ، وما داموا قد دخلوا في مقام الإحسان فهم بحق كانوا مستشرفين لظهور النبي الجديد . وبمجرد أن جاء النبي الجديد تلقفوا الخيط وآمنوا برسالته ، وصاروا من خير أمة أخرجت للناس . ويكمل الحق سبحانه صفاتهم بقوله : { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ آل عمران : 114 ] وهذا كمثل قوله سبحانه وتعالى في حق المؤمنين : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] . ونحن نعرف أن هناك فرقاً بين " السرعة " و " العجلة " فـ " السرعة " و " العجلة " يلتقيان في تقليل الزمن بالنسبة للحدث ، ومثال ذلك أن يقطع إنسان المسافة من مكان إلى مكان في زمن معين ، والذي يسرع في قطع المسافة هو الذي يستغرق من الزمن أقل وقت ممكن ولكن هناك اختلاف بين السرعة والعجلة ، وأول خلاف بينهما يتضح في المقابل ، فمقابل السرعة الإبطاء ، ويقال : فلان أسرع ، وعلان أبطأ ومقابل " العجلة " هو " الأناة " فيقال : فلان تأنى في اتخاذ قراره . فالسرعة ممدوحة ومقابلها وهو " الإبطاء " مذموم ، " والعجلة " مذمومة ، ومقابلها هو التأني ممدوح لأن السرعة هي التقدم فيما ينبغي التقدم فيه ، والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه ، ولذلك قيل في الأمثال : " في العجلة الندامة ، وفي التأني السلامة " وقال الحق : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } [ آل عمران : 133 ] . وهو سبحانه : هنا يقول { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [ آل عمران : 114 ] أي كلما لمحت لهم بارقة في الخير فهم يسرعون إليها ، أي أنهم يتقدمون فيما ينبغي التقدم فيه ، إنهم يعلمون أن الإسراع إلى الخير حدث ، وكل حدث يقتضي حركة ، والحركة تقتضي متحركاً ، والمتحرك يقتضي حياة ، فما الذي يضمن للإنسان أن تظل له حياة ، لذلك يجب أن تسرع إلى الخيرات ، وسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كان ينام القيلولة ، وكان حاجبه يمنع الناس من إيقاظ الخليفة ، فجاء ابن عمر بن عبد العزيز وقال للحاجب : أريد أن أدخل على أمير المؤمنين الساعة ، فمنعه الحاجب قائلاً : إنها ساعة يستريح فيها وهو لا يستريح من الليل أو النهار إلاّ فيها ، فدعه ليستريح . وسمع سيدنا عمر بن عبد العزيز الضجة ، فسأل الحاجب . قال الحاجب : إنه ابنك ، ويريد أن يدخل عليك وأنا أطالبه ألا يدخل حتى تستريح . قال عمر بن عبد العزيز للحاجب : دعه يدخل . فلما دخل الابن على أبيه ، قال الابن : يا أبي بلغني أنك ستخرج ضيعة كذا لتقفها في سبيل الله . قال عمر بن عبد العزيز أفعل إن شاء الله . غداً نبرمها . قال الابن متسائلا : هل يبقيك الله إلى غد ؟ فقال عمر بن عبد العزيز وهو يبكي : الحمد لله الذي جعل من أولادي من يعينني على الخير . لقد أراد الابن من أبيه أن يسارع إلى الخير ، فما دامت هبَّة الخير قد هبَّت عليه فعلى الإنسان أن يأخذ بها لأن الإنسان لا يدري أغيار الأحداث في نفسه ، لذلك فعليه أن يسارع إلى اقتناص هبَّة الخير ، وها هو ذا ابن عمر بن عبد العزيز يعين والده على الخير ، لكننا في زماننا قد نجد من الأبناء من يطلب الحَجْر على أبيه إن فكر الأب في فعل الخير ، متناسين قول الحق : { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِين } [ آل عمران : 114 ] . وهنا يبرز سؤال هو : لأي عمل هم صالحون ؟ والإجابة تقتضي قليلاً من التأمل ، إننا نقول في حياتنا : " إن فلاناً رجل صالح " ومقابله " رجل طالح " . والإنسان صالح للخلافة ، فقد جعل الله آدم وذريته خلفاء في الأرض ، والرجل الصالح يرى الشيء الصالح في ذاته فيترك هذا الشيء على ما هو عليه أو يزيده صلاحاً . أما الرجل الطالح أو المفسد فهو يأتي إلى الشيء الصالح فيفسده ، ولا يفعل صلاحاً . إن الرجل - على سبيل المثال - قد يجد بئراً يأخذ منه الناس الماء ، فإن لم يكن من أهل العزم فإنه يتركه على حاله . وإن كان طالحاً فقد يردم البئر بالتراب . أما إن كان الرجل من أهل الصلاح والعزم فهو يحاول أن يبدع في خدمة الناس التي تستقي من البئر ، فيفكر ليبني خزاناً عالياً ويسحب الماء من البئر بآلة رافعة ، ويخرج من الخزان أنابيب ويمدها إلى البيوت ، فيأخذ الناس المياه وهم في المنازل ، إن هذا الرجل قد استخدم فكره في زيادة صلاح البئر . إذن فكلمة " رجل صالح " تعني أنه صالح لأن يكون خليفة في الأرض وصالح لاستعمار الأرض أي أن يجعلها عامرة ، فيترك الصالح في ذاته ، أو يزيده صلاحاً ، ويحاول أن يصلح أي أمر غير صالح . الرجل الصالح عندما يعمل فهو يحاول أن يجعل عمله عن عمق علم ، فلا يقدم على العمل الذي يعطي سطحية نفع ثم يسبب الضرر من بعد ذلك . ومثال ذلك حين اخترعوا المبيدات الحشرية ظنوا أنهم تغلبوا على الآفات في الزراعة ، لكنهم لم يعرفوا أنهم قد أضروا بالزراعة وبالبيئة أكثر مما أفادوا ، لذلك عادوا يقولون : لا تستعملوا هذه المبيدات لأنها ذات أضرار جمة ، ولهذا لا بد أن يكون كل عمل قائماً على قواعد علمية سليمة ، ولنقرأ قوله تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] . وقوله سبحانه : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 103 - 104 ] . إذن فقد كرم الله من آمن من أهل الكتاب فوصفهم الوصف الحقيقي ، فهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ، ويؤمنون بالله واليوم الآخر ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويسارعون في الخيرات ، ثم يحكم الحق عليهم حكماً عاماً بأنهم من الصالحين لعمارة الكون والخلافة في الأرض . ومن بعد ذلك يضيف الحق : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ … } .