Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 116-116)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يظن الكافرون أن الأموال والأولاد قد تغني من الله ، إنهم لا يحسنون التقدير ، فالأموال والأولاد هما من مظان الفتنة مصداقاً لقوله تعالى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 28 ] . وما دامت الأموال والأولاد فتنة فلا بد أن نفهم الأمر على حقيقته فالفتنة ليست مذمومة في ذاتها لأن معناها اختبار وامتحان ، وقد يمر الإنسان بالفتنة ، وينجح . كأن يكون عنده الأموال والأولاد ، وهم فتنة بالفعل فلا يغره المال بل إنه استعمله في الخير ، والأولاد لم يصيبوه بالغرور بل علمهم حمل منهج الله وجعلهم ينشأون على النماذج السلوكية في الدين ، لذلك فساعة يسمع الإنسان أي أمر فيه فتنة فلا يظن أنها أمر سيء بل عليه أن يتذكر أن الفتنة هي اختبار وابتلاء وامتحان ، وعلى الإنسان أن ينجح مع هذه الفتنة فالفتنة إنما تضر من يخفق ويضعف عند مواجهتها . والكافرون لا ينجحون في فتنة الأموال والأولاد ، بل سوف يأتي يوم لا يملكون فيه هذا المال ، ولا أولئك الأولاد ، وحتى إن ملكوا المال فلن يشتروا به في الآخرة شيئاً ، وسيكون كل واحد من أولادهم مشغولاً بنفسه ، مصداقاً لقول الحق : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } [ لقمان : 33 ] . إن كل امرئ له يوم القيامة شأن يلهيه عن الآخرين ، والكافرون في الدنيا مشغولون بأموالهم وأولادهم وعندما نتأمل قوله : { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ } [ آل عمران : 116 ] نجد أننا نقول : أغناه عن كذا أي جعله في استغناء فمن هو الغَنيُّ إذن ؟ الغني هو من تكون له ذاتية غير محتاجة إلى غيره ، فإن كان جائعاً فهو لا يأَكل من يد الغير ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس الغني عن كثرة العرض ، ولكن الغني غني النفس " . والمقصود بالعَرَض هو متاع الحياة الدنيا قلّ أو كثر ، ومتاع ، وعرض الدنيا كالماء المالح ، كلما شربت منه ازددت ظمأ . إن الكافر من هؤلاء يخدع نفسه ويغشها ، ويغتر بالمال والأولاد وينسى أن الحياة تسير بأمر من يملك الملك كله ، إن الكافر يأخذ مسألة الحياة في غير موقعها ، فالغرور بالمال والأولاد في الحياة أمر خادع ، فالإنسان يستطيع أن يعيش الحياة بلا مال أو أولاد . ومن يغتر بالمال أو الأولاد في الحياة يأتي يوم القيامة ويجد أمواله وأولاده حسرة عليه لماذا ؟ لأنه كلما تذكر أن المال والأولاد أبعداه عما يؤهله لهذا الموقف فهو يعاني من الأسى ويقع في الحسرة . ويقول الحق سبحانه عن هذا المغتر بالمال والأولاد وهو كافر بالله : { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ آل عمران : 116 ] وهذا مصير يليق بمن يقع في خديعة نفسه بالمال أو الأولاد . وكيف يكون الإنسان صاحباً للنار ؟ لنعرف أولا معنى كلمة " الصاحب " ، إن الصاحب هو الملازم فنحن نقول : فلان صاحب فلان أي ملازمه ، لكن من أين تبدأ الصحبة ؟ . إن الذي يبدأ الصحبة هو " فلان " الأول ، لـ " فلان الثاني " الذي يقبل الصحبة أو يرفضها ، وهذا أمر قد نعرفه وقد لا نعرفه ، وعن الصحبة مع النار نرى أن الإنسان يلوم نفسه ويؤنبها على أنه اختار النار وصاحبها . ألسنا نرى في الحياة إنساناً قد ارتكب ذنباً وأصابه ضرر ، فيضرب نفسه ويقول : أنا الذي استأهل ما نزل بي وأستحقه ، وكذلك الإنسان الكافر يجد نفسه يوم القيامة ، وهو يدخل النار ، ويقول لنفسه : أنا أستحق ما فعلته بنفسي ، وتقول النار لحظتها رداً على سؤال الحق لها : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ ق : 30 ] . وفي الآخرة نرى أبعاض الإنسان الكافر وهي تبغض صاحبها ، فإذا كان للإنسان ولاية على أبعاضه في الدنيا ، وهي خاضعة لإرادته إلا أن هذه الأبعاض تأتي يوم القيامة وصاحبها خاضع لإرادتها . إن الظالم يقول ليده في الدنيا ، " اضربي فلاناً وشددي الصفعة " فلم تعصه يده في الدنيا لأن الله خلقها خاضعة لإرادته ، والظالم لنفسه بالكفر يأمر لسانه أن ينطق كلمة الكفر ، فلا يعصاه اللسان في الدنيا ، لماذا ؟ لأن أبعاضه خاضعة لإرادته في الحياة الدنيا ، لكن ذلك الكافر يأتي يوم القيامة وتنعزل عن إرادته ، فتتحرر أبعاضه ، ولا تكون مرغمة على أن تفعل الأفعال التي لا ترتضيها ، وتتمرد الأبعاض على صاحبها ، وتشهد عليه . قد يقول قائل : ولكن الأبعاض هي التي تتعذب . نعم ، ولكنها تقبل العذاب تكفيراً عما فعلت . إذن فالصحبة تبدأ من الأبعاض للنار { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ آل عمران : 116 ] فإن رأينا كفاراً يعملون خيراً في الدنيا فليحذر كل منا نفسه قائلاً : إياك يا نفس أن تنخدعي بذلك الخير . لماذا ؟ لأن الكافر يعيش كفر القمة ، وكل عمل مع كفر القمة هو عمل حابط عند الله ، وإن كان غير حابط عند الناس . وبعد ذلك يقول الحق عن هؤلاء الكافرين : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ … } .