Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-133)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والسرعة - كما عرفنا - مقابلها العجلة ، إن السرعة هي : التقدم فيما ينبغي ، ومعنى أن تتقدم فيما ينبغي : أنك تجعل الحدث يأخذ زمناً أقل ، والمثال على ذلك عندما يسرع الإنسان بسيارته من القاهرة إلى الإسكندرية فهو يحاول أن يقطع المائتين والعشرة كيلو مترات في زمن أقل ، فبدلاً من أن تأخذ منه ثلاث ساعات في السيارة فهو يسرع كي تأخذ منه ساعتين . إذن فالسرعة هي : التقدم فيما ينبغي ، وهي محمودة ، وضدها : الإبطاء . فالسرعة محمودة ، والإبطاء مذموم . لكن " العجلة " تقدم فيما لا ينبغي ، وهي مذمومة ، مقابلها " التأني " ، والتأني ممدوح ، إذن فالسرعة محمودة ، ومقابلها الإبطاء مذموم ، والعجلة مذمومة ، ومقابلها التأنّي ممدوح ، والمثل الشعبي يقول : في التأني السلامة وفي العجلة الندامة . إن الحق يقول : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ آل عمران : 133 ] أي : خذوا المغفرة وخذوا الجنة بسرعة ، لأنك لا تعرف كم ستبقى في الدنيا ، إياك أن تؤجل عملاً من أعمال الدين أو عملاً من أعمال الخير لأنك لا تعرف أتبقى له أم لا . فانتهز فرصة حياتك وخذ المغفرة وخذ الجنة ، هذا هو المعنى الذي يأتي فيه الأثر الشائع " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " . الناس تفهمها فهماً يؤدي مطلوباتهم النفسية بمعنى : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً : يعني اجمع الكثير من الدنيا كي يَكفيك حتى يوم القيامة ، وليس هذا فهماً صحيحاً لكن الصحيح هو أن ما فاتك من أمر الدنيا اليوم فاعتبر أنك ستعيش طويلاً وتأخذه غداً ، أمَّا أمر الآخرة فعليك أن تعجل به . { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] ونحن نعرف أن المساحات لها طول وعرض ، لأن الذي طوله كعرضه يكون مربعاً ، إنما الذي عرضه أقل من طوله فنحن نسميه " مستطيلاً " ، وحين يقول الحق { عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] نعرف أن العرض هو أقل البعدين ، أي أنها أوسع مما نراه ، فكأنه شبّه البعد الأقل في الجنة بأوسع البعد لما نعرفه وهو السماوات والأرض ملتصقة مع بعضها بعضاً فأعطانا أوسع مَمَّا نراه . فإذا كان عرضها أوسع ممَّا نعرف فما طولها ؟ أنه حد لا نعرفه نحن . قد يقول قائل لماذا بيَّن عرضها فقال : { عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ } [ آل عمران : 133 ] . فأين طولها إذن ؟ ونقول : وهل السماوات والأرض هي الكون فقط ؟ إنّه سبحانه يقول : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ … } [ البقرة : 255 ] . ويقول صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات والأرض وما بينهما إلا كحلقة ألقاها ملك في فلاة " . أليست هذه من ملك الله ؟ وهكذا نرى أن هذه الجنة قد أُعدت للمتقين ، ومعنى " أُعدت " أي هيئت وصُنعت وانتهت المسألة ! يؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " عرضت عليّ الجنة ولو شئت أن آتيكم بقطاف منها لفعلت " . لماذا ؟ لأن الإخبار بالحدث قد يعني أن الحدث غير موجود وسيوجد من بعد ذلك ، ولكن الوجود للحدث ينفي أن لا يوجد لأن وجوده صار واقعاً ، فعندما يقول : " أُعدت " فمعناها أمر قد انتهى الحق من إعداده ، ولن يأخذ من خامات الدنيا وينتظر إلى أن ترتقي الدنيا عندكم ويأخذ وسائل وموادّ مما ارتقيتم ليعد بها الجنة ، لا . لقد أخبر سبحانه عنها فقال : " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، وأعد سبحانه الجنة كلها بـ " كن " ، فعندما يقول : " أُعدت " تكون مسألة مفروغاً منها . وما دامت مسألة مفروغاً منها إذن فالمصير إليها أو إلى مقابلها مفروغ منه ، والجنة أُعدت للمتقين ، فمن هم المتقون ؟ .