Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 136-136)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى ما تقدم في قوله سبحانه : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] . مع بيان أوصاف المتقين في قوله : { ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134 ] . إنهم ينفقون في السراء نفقة الشكر . وينفقون في الضراء نفقة الذكر والتضرع ، لأن النعمة حين توجد بسرّاء تحتاج إلى شكر لهذه النعمة ، والنعمة حين تنفق في الضراء تقتضي ضراعة إلى الله ليزحزح عن المنفق آثار النقمة والضراء . إذن فهم ينفقون سواء أكانوا في عسر ، أم كانوا في يسر . إن كثيراً من الناس ينسيهم اليسر أن الله أنعم عليهم ويظنون أن النعمة قد جاءت عن علم منهم . وبعض الناس تلهيهم النعمة عن أن يحسوا بآلام الغير ويشغلوا بآلام أنفسهم . لكن المؤمنين لا ينسون ربهم أبداً . وأمره بالإنفاق في العسر واليسر . ولذلك قولوا : فلان لا يقبض يده في يوم العرس ولا يوم الحبس . وتتتابع أوصاف المتقين : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] . وفي ذلك لون من تطمين المؤمن على أغيار نفسه ، وعلى أنه عندما يستجيب مرة لنزغات الشيطان ، فهذه لا تخرجه من حظيرة التقوى ، لأن الله جعل ذلك من أوصاف المتقين . فالفاحشة التي تكون من نزغ الشيطان وذكر العباد لله بعدها ، واستغفارهم مع الإصرار على عدم العودة ، لا تخرجهم أبداً عن وصفهم بأنهم متقون . لأن الحق هو الغفور : { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 135 ] . إنهم قد أُخبروا بذلك ، فلم يجرم الحق أحداً إلا بنص ، ولم يعاقب إلا بجريمة . وقول الحق سبحانه : { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } [ آل عمران : 136 ] هو إشارة لكل ما سبق . ونلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى جعل للعاملين بهذا العمل من التقوى قوسين : القوس الأول الذي ابتدأ به هو قوله الحق : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] . والقوس الثاني هو الذي أنهى الأمر : { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ آل عمران : 136 ] . فالجنة الأولى التي ذكرها الله إلهاباً للعواطف النفسية لتقبل على ما يؤدي لهذه الجنة ، وبعد ذلك ذكر الأوصاف والأصناف وجعل الجنة أجراً . { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [ آل عمران : 136 ] . والأجر عادة هو ما يأخذه العامل نتيجة العمل . والأجر حين يأخذه العامل نتيجة لعمل يتوقف على تقييم العمل عند صاحب العمل نفسه . فزيادة الأجر ونقصه تقدير من صاحب العمل ، وأيضاً تقدير للعامل . فإن طلب أصحاب عمل متعددون عاملاً محدداً فله أن يطلب زيادة وإن لم يطلبه أحد فهو يقبل أول عرض من الأجر نظير أداء العمل . إذن فالمسألة مسألة حاجة من صاحب عمل ، أو حاجة من عامل ، وحين ننظر إلى الصفقة في الآخرة نجد أنها بين إله لا يحتاج إلى عملك . ومع أنه لا يحتاج إلى عملك جعل لعملك أجراً . ما هذه المسألة ؟ هو ليس محتاجاً إلى عملك ، ويعطيك أجراً على عملك ويقول لك : إن هذا الأجر هو الحد الأدنى ، لكن لي أنا أن أضاعف هذا الأجر ، ولي أن أتفضل عليك بما فوق الأجر . فكم مرحلة إذن ؟ إنها ثلاث مراحل ، مع أنه سبحانه لا يستفيد من هذا العمل إلا أنه وضع ثلاث مراتب للأجر . إذن فالحاجة من جهة واحدة هي جهتك أنت أيها العبد ، أنت تحتاج إلى خالقك وهو لا يحتاج إليك ، ومع ذلك يعطيك الإله الحق الأجر لا على قدر العمل فقط ، ولكن فوق ذلك بكثير . إن الذي تعمل له يوماً من العباد قد يعطيك - على سبيل المثال - ما يكفيك قوت يوم ، أو قوت يوم ونصف يوم . ولكنك حين تأخذ الأجر من يد الله فإنه يعطيك أجراً لا تنتهي مدة إنفاقه فهو القائل : { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } [ آل عمران : 136 ] . هذا هو الأجر الذي يقال فيه : نعم هذا الأجر لأنه أجر لا يتناسب مع مجهودي ، بل يفوق كل ما بذلت من جهد وقادم من جهة لا تحتاج إلى هذا المجهود . إنه سبحانه متفضل على أولاً . ومتفضل على أخيراً ، ليدل الحق سبحانه وتعالى على أنك - أيها العبد - حين تعمل الطاعة يعود أثر الطاعة على نفسك ومع ذلك فهو يعطيك أجراً على ما فعلت . وأوضحنا أن هذه الآيات جاءت بين آيات معركة أُحُد إرشاداً واستثماراً للأحداث التي وقعت في أُحُد ، حتى إذا عاش الإنسان في تصور الأحداث فالأحداث تكون ساخنة ، ويكون التقاط العبرة منها قريباً إلى النفس لأن واقعاً يُحتّمها ويؤكدها . والحق سبحانه وتعالى يقول من بعد ذلك : { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ … } .