Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 135-135)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والفاحشة هي : الذنب الفظيع . فهل معنى ذلك أن الرماة في غزوة أحد حين تركوا مواقعهم ، قد خرجوا من الإيمان ؟ لا ، إنها زلة فقط ، لكنها اعتبرت كبيرة من الكبائر لمن أشار على المؤمنين أن ينزلوا ، واعتبرت صغيرة لمن حُرّض - بالبناء للمجهول - على أن ينزل من موقعه . إذن فهو قول مناسب : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } [ آل عمران : 135 ] وجاء الحق هنا بـ " ذكروا الله " كتنبيه لنا إلى أن من يفعل الفاحشة أو يظلم نفسه هو من نسي الله ، فلحظة فعل الفاحشة أو ظلم النفس لا يكون الله على بال الإنسان الفاعل للفاحشة أو على بال من ظلم نفسه ، والذي يُجرِّئ الإنسان على المعصية ليحقق لنفسه شهوة ، أنَّه لم ير الله ولم ير جزاءه وعقابه في الآخرة ماثلاً أمامه ، ولو تصور هذا لامتنع عن الفاحشة . وكذلك الذي يهمل في الطاعة أيضاً ، لم يذكر الله وعطاءه للمتقين . ولو ذكر الله وعطاءه للمتقين لما تكاسل عن طاعة الله . ولذلك يقول الحق : { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 135 ] فمن يستغفر لذنبه فقد ذكر الله . وموقف العلماء من الفاحشة فيه اختلاف . بعض العلماء قال : إنها الكبيرة من الكبائر ، وظلم النفس صغيرة من الصغائر . وقال بعض آخر من العلماء : إن الفاحشة هي الزنا لأن القرآن نص عليها ، وما دون ذلك هو الصغيرة . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا كبيرة مع الاستغفار . ولا صغيرة مع الإصرار " . فلا يجوز للإنسان أن يتجاوز عن أخطائه ويقول : هذه صغيرة وتلك صغيرة لأن الصغيرة مع الصغيرة تصير كبيرة . وحين ننظر إلى قول الله تعالى : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [ آل عمران : 135 ] نجد أن الذي فعل الفاحشة ظالم لنفسه أيضاً لأنه حقق لنفسه شهوة عارضة ، وأبقى على نفسه عذاباً خالداً . ولماذا لم يقل الحق إذن : والذين ظلموا أنفسهم فقط ؟ أي يكون العطف بـ " الواو " لا بـ " أو " لأن الحق يريد أن يوضح لنا الاختلاف بين فعل الفاحشة وظلم النفس . لأن الذي يفعل الفاحشة إنما يحقق لنفسه شهوة أو متعة ولو عاجلة ، لكن الذي يظلم نفسه يذنب الذنب ولا يعود عليه شيء من النفع فالذي يشهد الزور - على سبيل المثال - إنه لا يحقق لنفسه النفع ، ولكن النفع يعود للمشهود له زوراً . إن شاهد الزور يظلم نفسه لأنه لبّى حاجة عاجلة لغيره ، ولم ينقذ نفسه من عذاب الآخرة . أما الإنسان الذي يرتكب الفاحشة فهو قد أخذ متعة في الدنيا ، وبعد ذلك ينال العقاب في الآخرة . لكن الظالم لنفسه لا يفيد نفسه ، بل يضر نفسه فالذي هو شر أن تبيع دينك بدنياك إنك في هذه الحالة قد تأخذ متعة من الدنيا وأمد الدنيا قليل . والحق لم ينه عن متاع الدنيا ، ولكنه قال عنه : { قُلْ مَتَاعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ } [ النساء : 77 ] . وهناك من يبيع دينه بدنيا غيره ، وهو لا يأخذ شيئاً ويظلم نفسه . ويقول الحق : { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 135 ] . ومعنى " ذنب " هو مخالفة لتوجيه منهج . فقد جاء أمر من المنهج ولم ينفذ الأمر . وجاء نهي من المنهج فلم يُلتزم به . ولا يسمى ذَنْباً إلا حين يعرفنا الله الذنوب ، ذلك هو تقنين السماء . وفي مجال التقنين البشري نقول : لا تجريم إلا بنص ولا عقوبة إلا بتجريم . وهذا يعني ضرورة إيضاح ما يعتبر جريمة حتى يمكن أن يحدث العقاب عليها ، ولا تكون هناك جريمة إلا بنص عليها . أي أنه يتم النص على الجريمة قبل أن يُنص على العقوبة ، فما بالنا بمنهج الله ؟ إنه يعرفنا الذنوب أولاً ، وبعد ذلك يحدد العقوبات التي يستحقها مرتكب الذنب . ولننتبه إلى قول الحق : { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] إذن فالاستغفار ليس أن تردف الذنب بقولك : أستغفر الله لا . إن على الإنسان أن يردف الذنب بقوله : أستغفر الله وأن يصر على ألا يفعل الذنب أبداً . وليس معنى هذا ألا يقع الذنب منك مرة أخرى إن الذنب قد يقع منك ، ولكن ساعة أن تستغفر تصر على عدم العودة ، إن الذنب قد يقع ، ولكن بشرط ألا يكون بنيّة مُسبقة ، وتقول لنفسك : سأرتكب الذنب ، وأستغفر لنفسي بعد ذلك . إنك بهذا تكون كالمستهزئ بربّك ، فضلاً على أنك قد تصنع الذنب ولا يمهلك الله لتستغفر . قوله الحق : { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] يوضح لنا أنه لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص . إن الحق يعلمنا ويعرفنا أولاً ما هو الذنب ؟ وما هو العقاب ؟ وكيفية الاستغفار ؟ ويقول الحق بعد ذلك : { أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا … } .