Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 146-146)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَكَأَيِّن } هذه يقولون : إنها للتكثير ، مثل " كم " فعندما يقول لك إنسان مثلاً : لماذا تجافيني ؟ فتقول له : كم زرتك ؟ إن قولك : " كم زُرتك ! " في ظاهرها أنها استفهام ، وأنت لا تريد أن تقول له مستفهماً كم مرة زُرته فيها ، بل تقول له : أنت الذي عليك أن تقول - لأنك بقولك ستعترف أني زُرتك كثيرا ، فيكون الجواب موافقاً لما فعلت . وأنت لا تقول " كم زرتك " إلا وأنت واثق أنه إذا أراد أن يجيب فسيقول : " زرتني كثيراً " ولو كنت لا تثق أنه سيقول : زرتني كثيراً ، لَمَا قلتها ، فعندما تقول له : كم زرتك ، كم تفضلت عليك ، كم واسيتك ، كم أكرمتك ؟ فإن " كم " تأتي للتكثير ، وتأتي مثلها " كأيِّن " إنها للتكثير أيضاً ، عندما تقول مثلاً : " ياما حصل كذا " و " ياما " هذه معناها " كأيِّن " . وقد يسألك صديق : كيف حدثت هذه الحكاية ؟ فتقول له : كأي رجل يفعل كذا ويحصل له كذا ، أي أن المسأله ليست غريبة ، إن قولك : كأي رجل معناها أنها شاعت كثيراً ، وعندما تقول : كم مرة زرتك ، وكم من مرة زرتك فهذان الاستعمالان صحيحان والمعنى : كثير من نبي قاتل معه مؤمنون برسالته كما حدث وحصل مع رسول الله . وقوله الحق " رِبِّيُّونَ " أي ناس فقهاء فاهمون سبل الحرب ، و " ربيون " أيضاً تعني : " أتباعاً يقاتلون " ، و " ربيون " يمكن أن ينصرف معناها إلى أن منهجهم إلهي مثل " الربانيين " . وقول الحق : " فما وهنوا " أي ما ضعفوا ، إذن فهو يريد أن يأتي بالأسوة ، وكأنه سبحانه يقول : أنتم لماذا ضعفتم في موقفكم في غزوة أُحُد وأنتم تقاتلون مع رسول الله . لقد كان الأولى بكم أن يكون حماسكم في القتال معه أشد من حماس أي أتباع نبي مع نبيهم لأنه النبي الخاتم الذي سيضع المبدأ الذي ستقوم عليه الساعة ، ولن يأتي أحد بعده ، فكان يجب أن تتحمسوا فأنتم خير أمة أخرجت للناس ، وأنا ادخرتكم لذلك . إن الحق يعطيهم المثل وفيه تعريض بهم وعتاب لهم ، وفي هذا القول تعليم أيضاً ، فيقول : { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ } [ آل عمران : 146 ] أي وكثير من الأنبياء { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } [ آل عمران : 146 ] ونستوحي من كلمة " وهنوا " أي ما ضعفوا . فكأنه قد حدث في القتال ما يضعف ، { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } [ آل عمران : 146 ] أي ما حدثت لهم نكسة مثلما حدثت لكم . { وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } [ آل عمران : 146 ] . وكل من " وهنوا " و " ضعفوا " و " استكانوا " هذه جاءت في موقعها الصحيح لأن " الوهن " بداية الضعف ، و " الوهن " محله القلب وهو ينضح على الجوارح ضعفاً . و " استكانوا " ماذا تعني ؟ إنها من " سكن " . والسكون تقابله الحركة . والحرب تحتاج إلى حركة ، والذي يأتي للحرب فهو يحتاج إلى كَرّ وفر . أما الذي لا يتحرك فهذا معناه أنه ليس لديه قدرة على أن يتحرك ، وساعة تسمع - الألف والسين والتاء - وتأتي بعدها كلمة ، نعلم أن " الألف والسين والتاء " للطلب ، " فاسْتَفْهَم " أي طلب أن يفهم ، وهي تأتي لطلب المادة التي بعدها . كأن نقول : " استعلم " أي طلب أن يعلم ، أو نقول : " استخبر " أي طلب الخبر ، و " استكان " يعني طلب له كوْناً أي وجوداً ، فكأنهم بلغوا من الوهن ومن الضعف مبلغاً يطلبون فيه أن يكون لهم مجرد وجود لأن الوجود مظهره الحركة ، والحركة انتهت ، هذا هو معنى " استكانوا " . وما دامت من الكون يكون وزنها - مثلما يقول الصرفيون - " استفعل " يعني طلب الكون ، وطلب الوجود ، وقد يكون وزنها ليس كذلك إذا كانت من سكن ، وهي بهذا الاعتبار لا يكون فيها طلب لأن السين ستكون أصلية ، فوزنها ليس " استفعل " بل هو " افتعل " فـ " استكانوا " هل تعني أنهم طلبوا السكون ؟ لا لأنهم كانوا ساكنين ، إذن فالأولى أن يكون معناها أنهم طلبوا مجرد الوجود ، هذا ما أميل إليه وأرجحه ، وقيل في معناها : فما خضعوا وما ذَلوا من الاستكانة : وهي الذلة والخضوع . { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 146 ] . فما يصيب العبد ابتلاء من الله ، وفي الحديث : " إذا أحب الله قوما ابتلاهم " . وكل ذلك الوهن والضعف ، لا يشغلهم عن المعركة ، لأنهم لو صبروا على التحمل لأمدهم الله بمدد من عنده لأنه حين تفرغ أسباب الخلق وتنتهي يأتي إمداد الخالق . ويلفتنا الحق سبحانه وتعالى بتذييل الآية : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 146 ] أي وكفى جزاء عن الصبر أن تكون محبوباً لله لأننا قلنا سابقاً : قد نحب الله لنعمه التي أنعمها علينا ، ولكن المسألة ليست في أن تحب الله أنت ، وإنما في أن تصير بتطبيق منهجه فيك محبوباً لله . وقد أثر عن بعضهم قوله : وإلا أَلم تَرَ كثيراً أحَبَّ ولم يُحَبْ ؟ ! ! أنت أحببت للنعم ، ولكنك تريد أن تكون محبوباً من الله لأن حبك للنعم لا يكفي ، فمثل هذه النعم أخذها الكافر أيضاً ، إذن فهناك حاجة أخرى . هناك مقدم وهناك ومؤخر فالمقدم هو نعم الحياة وكل البشر شركاء فيها مؤمنهم وكافرهم ، ولكن المؤخر هو جزاء الله في الآخرة وهو الأصل . إذن ، فلو أن الناس فطنوا إلى قول الله : { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ } [ آل عمران : 146 ] لقالوا : كفى بالجزاء عن الصبر أن نكون محبوبين لله ، حين أصابهم ما أصابهم . صحيح أن الإصابة لم تصنع فيهم وهناً أو ضعفاً أو استكانة ، وهذا معناه أن فيهم مُسكة اليقين بالله . ومُسكة اليقين بالله تجعلهم أهلاً لإمداد الله . فليس لك إلا أن تصبر على ما أنت فيه لتعرف مدد الله لك . ومدد الله لك لا يتجلى بحق إلا وقت الضعف لأنك وقت قوتك قد تعمل مثل الذي قيل فيهم : { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 49 ] . لكن المؤمنين حين أصابهم ما أصابهم { فَمَا وَهَنُواْ } [ آل عمران : 146 ] لأنَّهم كانوا متيقظين إلى قضية إيمانية : إن الله لا يسلمك لنفسك إلا حين تغيب عنه ، فقالوا : ولماذا حدث لنا هذا ؟ لم يقولوا : ربنا انصرنا كي نخرج من الضعف ، لا . بل فكروا في الأسباب التي أدت بهم إلى هذا : { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا … } .