Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 147-147)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فكأن ما حدث نتيجة لذنب تقدم ففطنوا إلى السبب ، كان المفروض أنهم في معركة ، وهذه المعركة أجهدتهم وأنهكتهم ، صحيح أنهم لم يضعفوا ، وكان المفروض أن يقولوا : " يارب انصرنا أولاً " لا . بل قالوا : لا بد أن نعرف السبب في النكسة الأولى ، السبب في هذه النكسة أن الله لم يسلمني إلى نفسي إلا لأني نسيته . { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا } [ آل عمران : 147 ] ، " ربنا " ، وانظر لكلمة النداء في " ربنا " ، كان يمكن أن يقولوا : يا ألله إنما جاءوا بكلمة " ربنا " لماذا ؟ لأن علاقة العبد بالربوبية هي قبل علاقته بالألوهية ، فالألوهية مكلفة ، فمعنى " إله " أي : معبود ، وما دام معبوداً فله تكليف يطاع فيه ، وهذا التكليف يأتي بعد ذلك ، هو سبحانه له ربوبيتهُ في الخلق . قبل أن يكلفهم ، وما دام الرب هو الذي يتولى التربية ، فالأولى أن يقولوا : يارب ، إذن قولهم : " ربنا " يعني أنت متولي أمورنا ، أنت الذي تربينا . { ربَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [ آل عمران : 147 ] فكأنه لا شيء يصيبنا إلا بذنب من الغفلة ارتكبناه . ونعرف من كلمة " ذنب " أن الذي يفطن إلى معناه لا يفعلها أبداً ، لأن كلمة " ذنب " مأخوذة من مادة " الذَنَب " . والذَّنْبُ سيأتي بعده عقوبة . فاللفظ نفسه يوحي بأن شيئاً سيأتي ، وعندما تتذكر عقاب الذنب فأنت لا تفعله . { ٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا } [ آل عمران : 147 ] لأن كل معصية تكون تجاوزاً عما أَحلَّه الله لك ، وزيادة غير مشروعة وإن كانت من نوع ما أحله الله ، ولكنها زيادة عن مقومات حياتك ، فالله شرع لنا الزواج لنأتي بالأولاد ، وعندما نأخذ أكثر من هذا من غير زواج نكون قد أسرفنا ، والله أعطانا مالا بقدر حركتنا ، فإن طمعنا في مال غيرنا فقد أسرفنا . " وأسرفت " يعني أن تأخذ حاجة ليست ضرورية لقوام حياتك ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول : { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ] . إنه سبحانه يوضح : أنا حللت لك كذا من النساء فما الذي جعل عينيك تزوغ وتميل إلى غير ما أحله الله لك ؟ أنا أحللت لك كسب يدك وإن كنت فقيراً فستأخذ صدقة ، لماذا أسرفت ؟ إذن فكل أمر زائد على الحد المطلوب لبقاء الحياة اسمه " إسراف " { وَإِسْرَافَنَا فِيۤ أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } [ آل عمران : 147 ] . لقد بدأوا يدخلون في الحق ، لكنهم في البداية رَأَوْا الباطل ، والباطل هو من أسباب تخلي الحق عن نصرتنا أولاً ، لكن عندما يغفر سبحانه الذنب ويغفر الإسراف في الأمر نكون أهلاً للمدد وأهلاً لتثبيت الله . { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } [ آل عمران : 147 ] كيف يقول الحق ذلك والمفهوم في المعركة أن الأقدام لا تثبت ؟ المعركة تطلب من المقاتل أن يكون صوالاً جوالاً متحركاً ، إذن فما معنى " وثبت أقدامنا " ؟ إن قول الحق : " وثبت أقدامنا " يعني لا تجعلنا نفر من أرض المعركة ، ولا نترك أرض المعركة أبداً . ولذلك قلنا : إن الكفار عندما حدث منهم ما حدث لم يظلوا في أرض المعركة ، بل تركوا أرض المعركة وانصرفوا ، وهؤلاء المؤمنون ولو أنهم انهزموا إلا أنهم مكثوا في أرض المعركة مدة ، وكروا وراء أعدائهم وطردوهم . وقد اهتدى البشر أخيراً إلى هذا المعنى ، ففي فرنسا نيشان يسمونه " نيشان الذبابة " لماذا الذبابة ؟ لأن الذبابة إن طردتها عن مكان لابد أن تعود إليه ، فكذلك المفروض على القائد - ما دام انسحب من منطقة - أن يوطن نفسه على العودة إليها ، فيعطوه نيشان الذبابة . فقوله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } [ آل عمران : 147 ] في أي منطقة ؟ وفي أي معركة ؟ علينا ألا نبرح أماكننا لأننا ساعة أن نبرحها فهذه أول الهزيمة ، وهذا أمر يُجَرِّئ العدو علينا . { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 147 ] . كلمة " وانصرنا على القوم الكافرين " هي حيثية ، فما داموا قد قالوا : " وانصرنا على القوم الكافرين " فهم إذن مؤمنون ، ومؤمنون بحق ولذلك فإن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قولته المشهورة : إنكم تنتصرون على عدوكم بطاعة الله ، فإن استويتم أنتم وهم في المعصية غلبوكم بُعدتهم وعَددهم . ولذلك فالإيمان يتطلب أن تنتبهوا إلى موطن الضعف فيكم أولاً ، والذي استوجب أن يصيبكم ما أصابكم ، حقاً إنكم لم تضعفوا ، ولم تستكينوا وأصابكم من المعركة شيء من التعب والألم . كأن الحق يوضح لنا أنهم قد تنبهوا فأحسنوا البحث في نفوسهم أولاً ، لقد تكلموا عن الذنوب وطلبوا المغفرة وتكلموا عن الإسراف على النفس ، وبعد ذلك تكلموا عن المعركة . فماذا كان العطاء من الله ؟ ويأتينا الجواب في قوله الحق : { فَآتَاهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ ٱلآخِرَةِ … } .