Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 160-160)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق يقول هنا : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران : 160 ] ، المؤمنون بمن ؟ بالله … وما داموا مؤمنين به فمن إيمانهم به أنه إله قادر حكيم عالم بالمصلحة ، ولا يوجد أحسن من أنك توكله . وعندما نقرأ { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] فقد نسأل : وما هو المقابل ؟ المقابل هو { وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [ آل عمران : 160 ] . إذن فأنت دخلت بالأسباب التي قالها الحق سبحانه وتعالى مُؤتمراً بأمر القيادة السماوية التي مُثلت في الرسول المبلغ عن الله ، وقد أخذت عُدتك على قدر استطاعتك ، إياك أن تقارن عَدَدَك بعدد خصمك أو تقارن عُدتك بعُدة خصمك فالله لا يكلفك أن تقابل العدد بالعدد ولا العُدة بالعُدة ، وإنما قال : أنت تُعد ما استطعته ، لماذا ؟ لأن الله يريد أن يصحب ركب الإيمان معونة المؤمن به لأنه لو كانت المسائل قدر بعضها ، لكانت قوة لقوة . لكن الله يريد أن يكون العدد قليلاً وتكون العُدة أقل وأن نعترف ونقول : هذا ما قدرنا عليه يارب . وما دام هو الذي قدرنا عليه ، فتكون هذه هي الأسباب التي مكنتنا منها ، ونثق بأنك يارب ستضع مع العدد القليل مدداً من عندك ، فأنت المعين الأعلى ، فسبحانك القائل : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 11 ] . والحق هنا يقول : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] فأنت تضمن نصر الله لك إن كنت قد دخلت على أن تنصره . كيف نعرف أننا ننصر الله ؟ نعرف ذلك عندما تأتي النتيجة بنصرنا ، لأنه سبحانه لا يعطي قضية في الكون وبعد ذلك يأتي بالواقع ليكذبها ، وإلا فالمسلمون يكونون قد انخدعوا - معاذ الله - لأنه لو جاء الدين بقضية ثم يأتي الواقع ليكذبها ، فلا بد أن يقولوا : إن الواقع كذب تلك القضية . لكن الحق قال : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ آل عمران : 160 ] ويجيء الواقع مؤكداً لهذه القضية ، عندئذ نحن لا نصدق في هذه القضية فقط ، بل نصدق كل ما غاب عنا ، فعندما تظهر جزئية ماديَّة واقعة محسوسة لتثبت لي صدق القرآن في قضية فأنا لا أكتفي بهذه القضية ، بل أقول : وكل ما لا أعلمه داخل في إطار هذه القضية . ولذلك قلنا : إن الحق سبحانه وتعالى ترك بعض أسراره في كونه ، وهذه الأسرار التي تركها في كونه هي أسرار لا تؤدي ضرورات إن عرفناها فنحن ننتفع بها قليلاً في الكماليات ، ويترك الحق بعض الأسرار في الكون إلى العقول لتستنبطها ، فالشيء الذي كان العقل يقف فيه قديماً يصبح باكتشاف أسرار الله مقبولاً ومعقولاً ، كأن الشيء الذي وقف فيه العقل سابقاً أثبتت الأيام أنه حق ، إذن فما لا يُعرف من الأشياء يُؤخذ بهذه القضية أو بما أُخِذَ من الغير . يقولون - مثلاً - اكتشف الميكروب على يد " باستير " ، لكن ألم يكن الميكروب موجوداً قبل " باستير " ؟ كان الميكروب موجوداً ، ولم يكن أحد يراه لأن الشيء إذا دق ولطف لا نقدر أن ندركه فليس عندنا الآلة التي تدركه ، ولم نكن قد اخترعنا المجهر الذي يكبِّر الأشياء الدقيقة آلاف المرات . وكذلك اخترع الناس التلسكوب ، فبعد أن كان الشيء لا يرى لبعده ، أصبح يرى بوساطة التلسكوب ، وإن كان الشيء ضئيلاً جداً ولا نراه . فقد استطعنا أن نراه بوساطة المجهر المسمى " الميكروسكوب " . و " التلسكوب " يقرب البعيد و " الميكروسكوب " يكبر الصغير فنرى له حركة وحياة ، ونجد له مجالاً يسبح فيه ، وهذا جعلني إذا حدثني القرآن أن لله خلقاً غاب عن الحس لا يدرك من جن وملائكة ، فلا أكذب ذلك ، لأن هناك أشياء كانت موجودة ولم تدخل تحت حسى ولا إدراكي مع أنها من مادتي ، فإذا كانت الأشياء الأخرى من مادة أخرى مثل الملائكة من نور ، أو الجن من النار ، ويقول لي سبحانه إنهم مخلوقون وموجودون فأنا لا أكذب ما جاء عن الحق لأن هناك أشياء من جنسي كانت موجودة ولم أستطع أن أراها . إذن فهذه قربت لي المسألة ، فعندما يقول الحق : { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [ آل عمران : 160 ] فنحن نعرف أن نصر الله مترتب على أن تدخل المعركة وأنت تريد أن تنصر الله ، وتنصره بماذا ؟ بأنك تحقق كلمته وتجعلها هي العليا ، وليس هذا فقط هو المطلوب ، بل لتجعل - أيضاً - كلمة الذين كفروا السفلى . { وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [ آل عمران : 160 ] إنه في ظاهر الأمر يكون معنا ، لكننا نشعر أنه تخلى عنا ، لماذا ؟ لأننا نترك بعضاً من تعاليم الله ، إذن فهو في المظهر العام معكم كمسلمين ، ومن معيته لكم أن يؤدبكم على المخالفة فيخذلكم عندما تخالفون عن أمره . ويختم الحق سبحانه الآية بقوله : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [ آل عمران : 160 ] وفي الآية السابقة قال سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران : 159 ] ، والذي لا يتوكل على الله عليه أن يراجع إيمانه . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا … } .