Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 161-161)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ما معنى " يغُل " ؟ أولاً : " الغلول " هو الأخذ في الخفاء . وهو مأخوذ من " أغل الجازر " - أي الجزار - أي عندما يسلخ الجلد يأخذ بعض اللحم مع الجلد ، ثم يطوي الجلد مخفياً ما أخذه من اللحم ، هذا هو الأصل ، وأطلق شرعاً على الخيانة في الغنائم ، ففي هول المعارك قد يجد المقاتل شيئاً ثميناً فيأخذ هذا الشيء خفية ، وهذا اسمه " الغلول " ، وأيضاً كلمة " الغِلُّ في الصدور " أي إخفاء الكراهية ، وكل المادة إخفاء . والحق يقول : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ آل عمران : 161 ] لماذا ؟ لأن من الجائز أن الرماة - في غزوة أحد - ساعة رأوا الغنائم أقبلوا عليها لأن غنائم بدر لم تكن قد قسمت بين كل من اشتركوا في القتال ، فالذي كان يعثر على غنيمة كان يأخذها ، وكانت بدر أول معركة ، وكان الهدف من ذلك تشجيع المقاتلين . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم : قد قال : " من قتل قتيلاً فله سلبه " . وظن المقاتلون في أحُد أن المسألة ستكون مثل بدر ، وظن البعض أن الرسول لن يعطيهم غنائم ، فيوضح الحق سبحانه وتعالى : بأن هذه مسألة وتلك مسألة أخرى ، فمن يفعل مثل هذا يكون قد غَل . وساعة تسمع : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ آل عمران : 161 ] أي أن من طبعه صلى الله عليه وسلم ومن فطرته وسجيته ألاَّ يتأتى ذلك منه أبداً ، لكن من الجائز أن يحدث مثل ذلك من واحد من أمته ، إذن فهناك فرق بين امتناع المؤمن أن يكون غالاً ، أي يأخذ لنفسه شيئاً من الغنيمة ، وامتناع الرسول أن يكون غالاً ، لأن طبعه وسجيَّته لا تستقيم مع هذه ، لكن الأمر يختلف مع المقاتلين فمن الممكن أن يكون أحدهم كذلك ، فسيدنا عمر في معركة الفرس ، حينما جاء جماعة بتاج كسرى ، والتاج فيه كل النفائس وتلك سمة عظمة الملوك ، فقال الفاروق عمر : إن قوماً أدوا إلى أميرهم هذا لأمناء . فقد كان من الممكن أنهم يخفونه . { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [ آل عمران : 161 ] وساعة تسمع " وما كان " أي : وما ينبغي ولا يصح أن يكون ذلك الأمر ، وبعد ذلك يأتي بالحكم العام فيمكن أن يحدث غلول من أحَدٍ فيقول : { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [ آل عمران : 161 ] فالذي غل في حاجة وخان فيها يأتي بها يوم القيامة كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم : " والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حلّة إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء أو بقرة لها خُوار ، أو شاة تَيعَر ، ثم رفع يديه حتى رُئيَ بياض إبطيه يقول : اللهم قد بلغت " . إن من يأخذ حراماً في خفية يأتي يوم القيامة وهو يحمل البعير أو البقرة أو الشاة مثلاً . وآه لو كان ما أخذه حماراً فله نهيق ! ! فإذا كان سيأتي بما غَل يوم القيامة - فالذي أخذه سيفضحه - ولذلك تسمى " الفاضحة " ، و " الطامة " . إذن فمن الممكن في الدنيا أن يأخذها خفية ويغُل . لكن سيأتي في يوم القيامة وهو يحمل ما أخذه على ظهره ، ثم يقول منادياً رسول الله : يا محمد … يا محمد ، لأن كل مسلم قد علم واطمأن إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رءوف ورحيم وأنه لن يرضى بهذه الحكاية ، لكن رسول الله أبلغ عن عقاب من يفعل ذلك في حياته ، وعلى كل المؤمنين به ألا يفكروا في الغلول وأخذ الغنيمة خفية . ولماذا تكون الغنيمة في الحرب شراً ؟ لأن المقاتل يعيش أثناء القتال في مهمة أن تكون كلمة الله هي العليا فكيف يرضى لنفسه بهذه المهانة وهي إخفاء الغنيمة ؟ إنه يحارب من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ، ويجب أن يكون في مستوى ذلك . وبعد ذلك يأتي الحق بالقضية العامة : { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [ آل عمران : 161 ] ، وهي تشمل الغلول في الغنيمة والغلول في غير الغنيمة ، ولنتصور هذه بالنسبة لكل من يخون أمانة أؤتمن عليها ، وأنه سيأتي يوم القيامة يحمل عمارة - مثلاً - لأنه بناها بغير أمانة أو يحمل أطناناً من سمك لأنه سرقها ، أو يحمل أطناناً من الجبن الفاسد التي استوردها . فكل من سرق شيئاً سيأتي يوم القيامة وهو يحمله ، وإذا كنا نشهد أن الناس لا تطيق أن تفضح بين الخلق ، والخلق محدودون لأنهم المعاصرون ، فما بالك بالفضيحة التي ستكون لعموم الخلق من أول آدم إلى أن تقوم الساعة . إذن فعلى كل إنسان أن يحرس نفسه لأن المسألة ستنفضح . { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ آل عمران : 161 ] وما دام سبحانه سيوفى كل نفس ما كسبت فكل سيأخذ قدر ما فعل ، فلا ظلم ، فلو ترك الأمر بلا حساب لكان هذا هو الظلم وحاشاً لله أن يظلم أحداً ، وبعد تلك التهيئة والإيضاح يقول سبحانه : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ … } .