Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 177-177)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنهم لن يضروا الرسول وصحابته لأنهم في معيّة الله وهم لن يضروا الله ، وفي ذلك طمأنة للمُؤمنين ، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول : أيها المؤمنون بي المصدّقون بمحمد إن المعركة مع الكفر ليست معركة المؤمنين مع الكافرين ، ولكنها معركة ربكم مع هؤلاء الكافرين وفي هذا اطمئنان كبير . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } [ آل عمران : 177 ] ، و " الاشتراء " صفقة ، والصفقة تقتضي " ثمناً " و " مُثمناً " . و " الثمن " هنا هو الإيمان ، لأن الباء تدخل على المتروك ، و " المثّمَن " هو الكفر لأنه هو المأخوذ . فهل أخذوا الكفر ودفعوا الإيمان ثمناً له ؟ وهل معنى ذلك أن الإيمان كان موجوداً لديهم ؟ نعم كان عندهم الإيمان لأن الإيمان القديم هو إيمان الفطرة وإيمان العهد القديم الذي أخذه الله على الذّر قبل أن توجد في الذّر الأغيار والأهواء : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] . أو على الأقل كان الإيمان والكفر في متناولهم بانضباط قانون الاختيار في النفس البشرية ، لكنهم أخذوا الكفر بدل الإيمان . والبدلية واضحة ، فقد استبدلوا الكفر بالإيمان ، فالباء - كما قلت - دخلت على المتروك . لقد تركوا الإيمان القديم وهو إيمان الذّر ، أو تركوا إيمان الفطرة فالحديث الشريف يقول : " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه " . لقد انسلوا من الإيمان ، ودفعوه ثمناً للكفر ، فعندما يأخذ واحد الكفر ، فهو قد أخذ الكفر بدلاً من الإيمان وهم { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 177 ] لماذا ؟ لأننا إن افترضنا أن الدنيا كلها قد آمنت فهذا لن يُفيد الله في شيء . والحديث القدسي يقول : قال الله تعالى : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أُكسكُم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدْخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه " . إذن ، فلا الإيمان من البشر يزيد الله شيئاً ، ولا الكفر ينقص من الله شيئاً لأن الإنسان قد طرأ على ملك الله ، ولم يأت الإنسان في ملك الله بشيء زائد ، فالإنسان صنعة الله وخلقه من عناصر ملكه - جلت قدرته - ويستمر الحديث في توضيح أنَّ الحق سبحانه لا يعالج شيئاً بيديه فيأخذ منه زمناً . لا ، إنه سبحانه جلّت مشيئته يقول للشيء : كُن فيكون . وكلمة " كُن " نفسها هي أقصر أمر . إنّ أمره ألطف وأدق من أن يدركه على حقيقته مخلوق . لكن الحق يأتي لنا بالصورة الخفيفة التي تجعل بشريتنا تفهم الأمر . فالذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّو الله شيئاً ولهم عذاب أليم . فهم لن يعيشوا بِنَجْوَةٍ وبُعد عن العذاب ، بل سيكون لهم العذاب الأليم . ونحن نجد أن الحق يقول مرة في وصف مثوى الكافرين إنه عذاب أليم ، ومرة أخرى لهم عذاب عظيم ومرة عذاب مهين ، لماذا ؟ لأن العذاب له جهات متعددة ، فقد يُوجد عذابٌ مؤلم ، ولكن المُعَذَّب يتجلد أمام من يُعذبّه ويُظهر أنه ما زال يملك بقيّة من جَلَد ، إنه يتألم لكنه يستكبر على الألم ، ولِذَلك قال الشاعر : @ وَتجلَّدي للشامتين أُريهمو إني لَرِيْب الدهر لا أتَضعضعُ @@ فالتجلّد هو نوع من الكبرياء على الواقع . ولذلك يأتي من بعد ذلك قوله الحق إن لأمثال هؤلاء عذاباً مهيناً ، أي إنهم سيذوقون الذّل والألم ، ولا أحد فيهم يستطيع التجلّد . وهذا النوع من العذاب لا يقف فقط عند حدود الألم العادي ، ولكنه عذاب عظيم في كمّيته وقدره ، وأليم في وقعه . ومهين في إذلال ودكّ النفس البشرية وغُرورها : لذلك فعندما نجد أن العذاب الذي أعده الله للكافرين موصوف بأنه " عذاب أليم " ومرة " عذاب عظيم " ومرة " عذاب مهين " فلنعرف أن لكل واحدة معنى ، فليست المسألة عبارات تقال هكذا بدون معنى مقصود . وأريد أن أقف هنا في هذا الحديث عند " لام العاقبة " لأن البعض يحاول أن يخلق منها إشكالات ، إنّ هؤلاء المتربصين لكلام الله يحاولون النيل منه ، وهم لا يبحثون إلا فيما يتوهّمون - جهلاً - أنه نقاط ضعف ، وهو سبحانه وتعالى يقول عن الكفار والعياذ بالله وهم في النار : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } [ المؤمنون : 107 - 110 ] . لقد انشغل الكفار بالسّخرية من أهل الإيمان بإشاراتٍ أو لمزٍ وغمزٍ أو اتهام بالرجعية أو الدروشة أو مثل ذلك من ألوان السّخرية ، لدرجة أنهم نسوا مسألة الإيمان ، فما الذي أنساهم ذكر الله ؟ لقد أنساهم ذكر الله انشغالهم بالسّخرية من أهل الإيمان . لقد قضى الكفار وقتهم كله للسّخرية من أهل الإيمان حتى نسوا ولم يتذكروا أن هناك خالقاً للكون . وهذا ما يسمى " غاية العاقبة " وليست غاية وعلة للإرادة ، لأنهم لم يريدوا نسيان ذكر الله ولكن أمرهم انتهى إلى ذلك . وسيُعذّب الله الكافرين عذاباً أليماً وعظيماً ومُهيناً . ولكل وصف مراده في النص حتى يستوعب كل حالات الإهانة من إيلام ، فالذي لا يألم بشيء صغير ولا يتحمل الألم القوي سيجد الألم الكبير ، وكذلك الذي يتجلد على الألم العظيم ، سيجد الألم المهين . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي … } .