Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 178-178)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وعندما نسمع قول الله : " ولا يحسبن " فهو نهي ، وقد نهى الله الكافرين عن ماذا ؟ إن الكافر عندما يجد نفسه قد أفلت في المعركة من سيف المؤمنين وأن عمره قد طال في الكفر ، فهو يظن أن الحق سبحانه وتعالى تركه لخير له لأنه يفهم أن عمره هو أثمن شيء عنده ، فما دام قد حوفظ له على عمره فهو الخير . نقول لمثل هذا الكافر : إن العمر زمن ، والزمن وعاء الأحداث ، إذن فالزمن لذاته لا يُمَجد إلا بالحدث الذي يقع فيه ، فإن كان الحدث الذي يقع في الزمن خيراً فالزمن خير . وإن كان الحدث الذي يقع في الزمن شراً ، فالزمن شر ، وما دام هؤلاء كافرين ، فلا بد أن كل حركاتهم في الوجود والأحداث التي يقومون بها هي من جنس الشر لا من جنس الخير ، لأنهم يسيرون على غير منهج الله . وربما كانوا على منهج المضادة والمضارة لمنهج الله . وذلك هو الشر . إذن فالله لا يملي لهم بقصد الخير ، إنما يملي الله لهم لأنهم ما داموا على الكفر فهم يشغلون أوقات أعمارهم بأحداث شرّية تخالف منهج الله . وكل حدث شرّى له عذابه وجزاؤه . إذن فإطالة العمر لهم شر . والحق سبحانه يقول : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ } [ آل عمران : 178 ] و " يحسَبَنَّ " هي فعل مضارع ، والماضي بالنسبة له هو " حسِب " - بكسر السين - ولذلك قال الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم : { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [ العنكبوت : 2 ] . إن الماضي هو " حَسِبَ " - بكسر السين - والمضارع " يحسَب " - بفتح السين - . أما حَسَبَ " يحسِب " - بكسر السين - في المضارع وفتحها في الماضي فهي من الحساب والعدد ، وهو عدد رقمي مضبوط . أمر " حَسِبَ " و " يحسَب " فتأتي بمعنى الظن ، والظن كما نعرف أمر وهمي ، والحق سبحانه يذكرهم أن ظنونهم بأن بقاء حياتهم هو خير لهم ليست حقاً . بل هي حدس وتخمين لا يرقى إلى اليقين . صحيح أن العمر محسوب بالسنوات لأن العمر طرف للأحداث ، والعمر بذاته - مجرداً عن الأحداث - لا يقال إن إطالته خير أو شر ، وإنما يقال : إن العمر خير أو شر بالأحداث التي وقعت فيه ، والأحداث التي تقع من الكافر تقع على غير منهج إيماني فلا بد أن تكون شراً ، حتى ولو فعل ما ظاهره أنه خير فإنه يفعله مضارة لمنهج الله . فلو كانت المسألة بالعملية الرقمية لقلنا : " حسَب " و " يحسِب " - بفتح السين في الماضي وكسر السين في المضارع - لكن هي مسألة وهمية ظنية لذلك نقول " يحسَب " - بفتح السين في المضارع - أي يظن . وهو سبحانه يقول : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ } [ آل عمران : 178 ] ما الإملاء ؟ الإملاء هو تمديد الوقت وإطالته . ولذلك نجد في القرآن : { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يٰإِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْنِي مَلِيّاً } [ مريم : 46 ] . إنه يأمر سيدنا إبراهيم أن يهجره مدة طويلة . هذا هو معنى " واهجرني ملياً " . والمقصود هنا أن إطالة أعمارهم بعد أن أفلتوا من سيوف المؤمنين . ليست خيراً لهم ولا يصح أن يظنوا أنها خير لهم ، لأن الله إنما يملي لهم " ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين " وهنا نجد " لام العاقبة " . وإياك أن تقول أيها المؤمن : إن الله قد فعل ذلك ليعاقبهم . لا لأن الله سبحانه وتعالى قد وضع سننه في الكون ويطبقها على من يخرج على منهجه ، فمن يصنع إثماً يعاقبه الله عليه { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] فكل ظرف من الزمن يمر عليهم يصنعون فيه أعمالاً آثمة على غير المنهج . { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ آل عمران : 178 ] وتأتي كلمة " مهين " وصفاً للعذاب مناسبة تماماً لأن الكافر قد يخرج من المعركة وقد تملكه الزهو والعجب بأن أحداً لم يستطع أن يقطع رقبته بالسيف ، ويتيه بالعزة الآثمة ، لذلك فالإيلام هنا لا يكفي ، لأنه قد يكتم الألم ويتجلد عليه ، ولكن العذاب عندما يكون مهيناً فهو العقاب المناسب لمثل هذا الموقف . والمتكلم هنا هو الله ، وسبحانه العليم بالمناسب لكل حال . ومن بعد ذلك يقول الحق : { مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ … } .