Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 182-182)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ } [ آل عمران : 182 ] إشارة إلى عذاب الحريق . والحق سبحانه لم يظلمهم ، لكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم . { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] فهل معنى ذلك أن كل المعاصي من تقديم اليد ؟ إن هناك معصية للعين ، ومعصية للسان ، ومعصية للرجل ، ومعصية للقلب ، ولا حصر للمعاصي . فلماذا إذن قال الحق : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] ؟ قال الحق ذلك لأن الأعمال الظاهرة تُمارس عادة باليد فاليد هي الجارحة التي نفعل بها أكثر أمورنا ، وعلى ذلك يكون قول الحق : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [ آل عمران : 182 ] مقصود به : بما قدمتم بأي جارحة من الجوارح . وبعد ذلك يخبرنا سبحانه : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] لقد أذاقهم عذاب الحريق نتيجة ما كتبه عليهم من قول وفعل . والقول هو الافتراء باللسان حين قالوا : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] . والفعل هو قتلهم الأنبياء فهم يستحقون ذلك العذاب . والقضية العامة في الإله وعدالة الإله أنه ليس بظلام للعبيد . وهنا وقفة لخصوم الإسلام من المستشرقين ، هم يقولون : الله يقول في قرآنكم { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] ، وكلمة " ظلام " هي مبالغة في كلمة " ظالم " ، ففيه " ظالم " وفيه " ظلاّم " ، و " الظَّلاّم " هو الذي يظلم ظلماً قوياً ومتكرراً فـ " ظلاّم " هي صيغة مبالغة في " ظالم " . وحتى نرد عليهم لابد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة ، فاللغويون يعرفون أنها : فعّال ، فعيل ، مفعال ، فعول ، فَعِل ، فظلاَّم مثلها مثل قولنا : " أكَّال " ، ومثل قولنا : " قتَّال " بدلاً من أن نقول : " قاتل " فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة ، لكن الـ " قتَّال " هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته . ومثل ذلك " ناهب " ، ويقال لمن صار النهب حرفته : " نَهَّاب " أي أنه إن نهب ينهب كثيراً ، ويعدد النهب في الناس . وهذه تسمى صيغة المبالغة . وصيغة المبالغة إن وردت في الإثبات أي في الأمر الموجب فهي تثبت الأقل ، فعندما يقال : " فلان ظلاّم " فالثابت أنه ظالم أيضاً ، لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل . ومثل ذلك نقول : " فلان علاَّم " أو " فلان علاَّمة " فمعنى ذلك أن فلاناً هذا عالم . ولكن إذا قلنا : " فلان عالم " فلا يثبت ذلك أنه " علاَّمة " . فصيغة المبالغة ليس معناها " اسم فاعل " فحسب ، إنها أيضاً اسم فاعل مبالغ فيه ، لأن الحدث يأتي منه قوياً ، أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد . فإذا ما أثبتنا صفة المبالغة فمن باب أولى تثبت صفة غير المبالغة فإذا ما قال واحد : " فلان أكَّال " فإنه يثبت لنا أنه آكل ، هذا في الإثبات . والأمر يختلف في النفي . إننا إذا نفينا صفة المبالغة ، فلا يستلزم نفي الصفة الأصلية ، فإن قلت : " فلان ليس علاَّمة " فقد يكون عالماً . وهكذا نفهم لأن الإثبات يختلف عن النفي . فإذا أَثْبَتَّ صفة المبالغة تثبت الصفة التي ليس فيها مبالغة من باب أولى . أما إذا نفيت صفة المبالغة فلا يستلزم ذلك نفي الصفة الأقل . والتذييل للآية التي نحن بصددها الآن هو { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] . يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم لكنها لم تنف عنه أنه ظالم ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا : إن الحق قد قال : إنه ليس بظلام للعبيد ، ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد . ومعنى ذلك أنه ليس بظلام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة ، فلو ظلم كل هؤلاء - والعياذ بالله - لقال إنه ظلام ، حتى ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم . لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر من ظُلِم وهم العبيد ، فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد . وإذا كان الظالم لا بد أن يكون أقوى من المظلوم ، إذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم . فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالماً لأن عظم قوته لن يجعله ظالماً بل ظَلاَّماً . فإن أردنا الحدث فيكون ظلاماً ، وإن أردنا تكراراً للحدث فيكون ظلاماً . وحين يحاول بعض المستشرقين أن يستدركوا على قول الحق : { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] فهذا الاستدراك يدل على عجز في فهم مرامي الألفاظ في اللغة أو أنّ هؤلاء يعلمون مرامي الألفاظ ويحاولون غش الناس الذين لا يملكون رصيداً لغوياً يفهمون به مرامي الألفاظ . ولكن الله سبحانه وتعالى يُسخر لكتابه من ينبه إلى إظهار إعجازه في آياته . وبعد أن انتهى الحق من غزوة أُحُد ، فهو سبحانه يريد أن يقرر مبادئ يبين فيها معسكرات العداء للإسلام : معسكر أهل الكتاب ، ومعسكر مشركي قريش في مكة ، ومعسكر المشركين الذين حول المدينة وكانوا يغيرون على المدينة . فبعد غزوة أُحُد التي صفّت ، وربّت ، وامتحنت وابتلت ، وعرّفت الناس قضايا الدين ، أراد الحق بعدها أن يضع المبادئ . فأوضح القرآن : أن هؤلاء أعداؤكم تذكروهم جيداً ، قالوا في ربكم كذا ، ويقولون في رسولكم كذا ، وقتلوا أنبياءكم . ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه : { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ … } .