Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 189-189)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنه سبحانه حكم فيما يملك ولا أحد يستطيع أن يخرج من ملكه ، وما دام لله ملك السماوات والأرض ، فحين يقول : { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 188 ] فهذا الوعيد سيتحقق لأن أحداً لا يفلت منه ، ولذلك يقول أهل الكشف وأهل اللماحية وأهل الفيض : اجعل طاعتك لمَنْ لا تستغني عنه ، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك ، واجعل خضوعك لمَنْ لا تخرج عن ملكه وسلطانه . إذن فـ { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 189 ] تدل على أن الله حين يوعد فهو - سبحانه - قادر على إنفاذ ما أوعد به ، ولن يفلت أحد منه أبداً . وهذه تؤكد المعنى . فإذا ما سُرّ أعداء الدين في فورة توهم الفوز فالمؤمن يفطن إلى النهاية وماذا ستكون ؟ ولذلك تجد أن الحق سبحانه وتعالى قال : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [ المسد : 1 - 5 ] . وهذه السورة قد نزلت في عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانت هذه السورة دليلاً من أدلة الإيمان بصدق الرسول في البلاغ عن الله ، لأن أبا لهب كان كافراً ، وكان هناك كفرة كثيرون سواه ، ألم يكن عمر بن الخطاب منهم ؟ ألم يكن خالد بن الوليد منهم ؟ ألم يكن عكرمة بن أبي جهل منهم ؟ ألم يكن صفوان منهم ؟ كل هؤلاء كانوا كفاراً وآمنوا ، فمن الذي كان يدري محمداً صلى الله عليه وسلم أنه بعد أن يقول : { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } [ المسد : 1 - 5 ] مَنْ كان يدري محمداً بعد أن يقول هذا ويكون قرآناً يُتلى ويحفظه الكثير من المؤمنين ، وبعد ذلك كله مَنْ كان يدريه أن أبا لهب يأتي ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقد يضيف : إن كان محمد يقول : إنني سأصلى ناراً ذات لهب فهأنذا قد آمنت ، مَنْ كان يدريه أنه لن يفعل ، مثلما فعل ابن الخطاب ، وكما فعل عمرو بن العاص . إن الذي أخبر محمداً يعلم أن أبا لهب لن يختار الإيمان أبداً ، فيسجلها القرآن على نفسه ، وبعد ذلك يموت أبو لهب كافراً . وكأن الله يريد أن يؤكد هذا فيوضح لك : إياك أن تظن أن ذلك الوعيد يتخلف لأنى أنا " أحد صمد " ، ولا أحد يعارضني في هذا الحكم لذلك يقول في سورة الإخلاص : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } [ الإخلاص : 1 - 2 ] . فما دام { هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] فيكون ما قاله أولاً لن ينقضه إله آخر ، وستظل قولته دائمة أبداً . إذن فقول الحق سبحانه بعد قوله : { فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ ٱلْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ آل عمران : 188 ] ، { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ آل عمران : 189 ] يوضح لنا أنه قد ضم هذا الوعد إلى تلك الحقيقة الإيمانية الجديدة : { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ آل عمران : 189 ] وجاء بالقوسين لأن السماء تُظِل ، والأرض تُقِل ، فكل منا محصور بين مملوكين لله ، وما دام كل منا محصوراً بين مملوكين لله ، فأين تذهبون ؟ { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ آل عمران : 189 ] وقد يكون هناك المَلِك الذي لا قدرة له أن يحكم ، فيوضح سبحانه لا ، إن لله المُلْكَ وله القدرة . { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ آل عمران : 189 ] ثم يأتي بعد ذلك إلى تصور إيماني آخر ليحققه في النفوس بعد المقدمات التي أثبتت صدق الله فيما قال بواقع الحياة : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } .