Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنهم الذين كفروا بآيات الله ، وقتلوا النبيين بغير حق ، وقتلوا الذين أمروا بالقسط بين الناس ، هؤلاء لهم العذاب ، ولهم أيضاً حبط العمل في الدنيا والآخرة ، وكذلك من نهج نهجهم ، ومعنى " حبطت " أي لا ثمرة مرجوة من العمل ، إن كل عمل يعمله العاقل لا بد أن يكون لهدف يقصده ، فأي عمل لا يكون له مقصد يكون كضربة المجنون ليس لها هدف . إن العاقل قبل أن يفعل أي عمل ينبغي أن يعرف الغاية منه ، وما الذي يحققه من النفع ؟ وهل هذا النفع الذي سوف يحققه هو خير النفع وأدومه ، أو هو أقل من ذلك ؟ وعلى ضوء هذه المقاييس يحدد العاقل عمله ، وحينما يقول الحق : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ آل عمران : 22 ] فهو سبحانه يريد أن يخبرنا أن إنساناً قد يفعل عملاً هو في ظاهره خير ، فإياك أن تغتر أيها المؤمن بأنه عَمِلَ خيراً . لماذا ؟ لأن عمل الخير لا يحسب للإنسان إلا بنية إيمانه بمن يجازى ، فالإنسان إن عمل عملاً قد تصلح به دنياه فهو عمل حسن ، فلماذا يكون عمل هؤلاء حابطاً في الدنيا ، وفي الآخرة ؟ إنه حابط بموازين الإيمان ويكون العمل حابطاً لأنه لم يصدر من مؤمن ، لأن ذلك الإنسان قد عمل العمل ثقة بنتيجة العمل ، لا ثقة بالأمر الأعلى . إن الإنسان المؤمن حين يقوم بالعمل يقوم بالعمل ثقة في الأمر الأعلى . وبعض من الناس في عصرنا يأخذون على الإسلام أنه لا يجازي الجزاء الحسن للكفرة الذين قاموا بأعمال مفيدة للبشرية . يقوم الواحد منهم : هل يعقل أحد أن " باستير " الذي اكتشف الميكروبات ، والعالم الآخر الذي اكتشف الأشعة ، وكل هؤلاء العلماء يذهبون إلى النار ؟ ولهؤلاء نقول : نعم ، إن الحق بعدالته أراد ذلك ، ولنتقاض نحن وأنتم إلى أعراف الناس . إن الذي يطلب أجراً على عمل يطلبه ممن ؟ إنه يطلب الأجر ممن عمل له . فهل كان الله في بال هؤلاء العلماء وهم يفعلون هذه الأعمال ؟ إن بالهم كان مشغولاً بالإنسانية ، وقد أعطتهم الإنسانية التخليد ، وغير ذلك من مكاسب الدنيا ، وينطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه رجل استشهد ، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : جرىء فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ، حتى ألقي في النار ، ورجل تعلّم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ، ليقال : هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به ، فسحب على وجهه ، حتى ألقي في النار ، ورجل وسّع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله ، فأتى به ، فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ، ثم ألقي في النار " . إذن فإذا كان الجزاء من الله ، فلنا أن نسأل : هل كان الله في بال هؤلاء العلماء حينما أنتجوا مخترعاتهم ؟ لم يكن في بالهم الله . والذي يطلب أجراً ، فهو يطلبه ممن عمل له . ولم يُضع الله ثمرة عملهم ، بل درت عليهم أعمالهم الذكر والجاه والرفعة . لم يضع الله أجر من أحسن عملاً . { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] . وقد قلت لكم قديماً : تذكروا المفاجأة التي تحدث لمن عمل عملاً هو في ظاهره خير ، ولكن لم يكن ربه في باله ، هذا ينطبق عليه قول الحق : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [ النور : 39 ] . إنه يفاجأ بوجود الله ، ولم يكن هذا الإله في باله ساعة أن قام بهذا العمل الذي هو في ظاهره خير ، كأن الله يقول لصاحب مثل هذا العمل : أنا لم أكن في بالك ساعة أن قمت بهذا العمل ، فخذ جزاءك ممن كان في بالك . { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [ آل عمران : 22 ] إن أعمالهم حبطت في الدنيا ، لأنهم قد يعملون عملاً يراد به الكيد للإسلام ، لذلك لا يمكنهم الله من ذلك ، بل يخذلهم جميعاً . وانتصر دين الله رغم قلة العدد وقلة العُدّة . وليس لهؤلاء ناصرون . أي ليس لهم من يأتي ويراهم مهزومين أمام خصم لهم وينجدهم ، إنهم لن يجدوا ناصراً إذا هزمهم الله ، فليس مع الله أحد غيره . وبعد ذلك يقول الحق : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ … } .