Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 50-50)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد قلنا : إن " مصدقاً " تعني أن ما جاء به عيسى بن مريم مطابق لما جاء في التوراة . وقلنا : إن " ما بين يدي " الإنسان هو الذي سبقه ، أي الذي جاء من قبله وصار أمامه . وما دام عيسى ابن مريم جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة في زمانه ، وكانت التوراة موجودة ، فلماذا جاءت رسالته إذن ؟ لكن القول الحق يتضمن هذا المعنى : إن عيسى سيأتي بأحكام جديدة ، ويتضح ذلك في قوله الحق سبحانه على لسان عبده عيسى ابن مريم : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران : 50 ] إذن فليس المهم هو التصديق فقط ، ذلك أن عيسى جاء ليحل بعضاً من الذي حرمته التوراة . وقد يقول قائل : إذا كانت الكتب السماوية تأتي مصدقة بعضها بعضاً فما فائدة توالي نزول الكتب السماوية ؟ والإجابة هي : أن فائدة الكتب السماوية اللاحقة أنها تذكر من سها عن الكتب السابقة ، هذا في المرتبة الأولى ، وثانياً : تأتي الكتب السماوية بأشياء ، وأحكام تناسب التوقيتات الزمنية التي تنزل فيها هذه الكتب . هذه هي فوائد الكتب السماوية التي توالت نزولاً من الحق على رسله ، إنها تذكر من عقل وتُعَدلّ في بعض الأحكام . ومن الطبيعي أننا جميعاً نفهم أن العقائد لا تبديل فيها ، وكذلك الأخبار والقصص ، لكن التبديل يشمل بعضاً من الأحكام . ولهذا جاء القول الحق على لسان عبده عيسى ابن مريم : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران : 50 ] ونحن نعرف أن القوم الذي أرسل الله عيسى ابن مريم لهم هم بنو إسرائيل ، والتحريم والتحليل يكون بحكمة من الله . إن لله حكمة فيما يحلل وحكمة فيما يحرم ، إنما إياك أن تفهم أن كل شيء يحرمه الله يكون ضاراً قد يحرم الله أشياء لتأديب الخلق ، فيأمر بالتحريم ، ولا يصح أن تسأل عن الضرر فيها ، وقد يعيش المؤمن دنياه ولم يثبت له ضرر بعض ما حرم الله . فإن تساءل أحد : لماذا حرم الله ذلك ؟ نقول له : من الذي قال لك إن الله حين يحرم فهو يحرم الشيء الضار فقط ؟ إنه الحق سبحانه يحرم الضار ويحرم بعضاً مما هو غير ضار ، ولذلك قال الحق : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } [ النساء : 160 ] . وتفصيل ذلك في آية أخرى : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] . إذن التحريم ليس ضرورياً أن يكون لما فيه الضرر ، ولهذا جاء قول الحق على لسان عبده ورسوله إلى بني إسرائيل عيسى بن مريم : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } [ آل عمران : 50 ] لقد جاء عيسى ابن مريم ليُحل لهم بأمر من الله ما كان قد حرمه الله عليهم من قبل . وبعد ذلك يقول الحق على لسان عبده ورسوله عيسى ابن مريم : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [ آل عمران : 50 ] ومجموعة هذه الأوامر التي تقدمت هي آية أي شيء عجيب ، بلغت القوم الذين أرسل الله عيسى إليهم ، إنه كرسول وكبشر لا يستطيع أن يجيء بالآية المعجزة بمفرده بل لا بد أن يكون مبعوثاً من الله . فيجب أن يلتفتوا إلى أن الله الذي أرسله ، وله طلاقة القدرة في خرق النواميس هو سبحانه الذي أجرى على يدي عيسى هذه الأمور ، ويأمرهم عيسى ابن مريم بتقوى الله نتيجة لذلك ، ويدعو القوم لطاعته في تطبيق منهج الله . وبعد ذلك يقول الحق على لسان عيسى ابن مريم : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ … } .