Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 60-61)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد جاء الحق البيّن والقول الفصل من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فلا مجال للشك أو المراء ، ومن يرد أن يحتكم إلى أحدٍ فليقبل الاحتكام إلى الإله العادل الذي لن يحكم بالباطل أبدا ، فهو سبحانه الحق ، ويجيء هذا القول : { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] . إن الطرفين مدعوان ليوجها الدعوة لأبنائهم ونسائهم ، فالرسول صلى الله عليه وسلم مدعو لدعوة أبنائه ونسائه ، ومن له الولاية عليهم ، وبحضوره هو صلى الله عليه وسلم ، وهم مدعون لدعوة أبنائهم ونسائهم وأنفسهم للابتهال . وقد يسأل سائل : ولماذا تكون الدعوة للأبناء والنساء ؟ والإجابة هي : أن الأبناء والنساء هم القرابة القريبة التي تهم كل إنسان ، وإن لم يكن رسولاً ، إنهم بضعة من نفسه وأهله . فكان الرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يقول لهم : " هاتوا أحبابكم من الأبناء والنساء لأنهم أعزة الأهل وألصقهم بالقلوب وادخلوا معنا في مباهلة " " والمباهلة " : هي التضرع في الدعاء لاستنزال اللعنة على الكاذب ، فالبهلة - بضم الباء - هي اللعنة ، وعندما يقول الطرفان : " يارب لتنزل لعنتك على الكذاب منا " فهذا دعاء يحمل مطلق العدالة ، فالإله الذي يستطيع أن ينزل اللعنة هو الإله الحق . وهو سينزل اللعنة على من يشركون به ، ولو كانت اللعنة تنزل من الآلهة المتعددة فسوف تنزل اللعنة على أتباع الإله الواحد . ولهذا كانت الدعوة إلى المباهلة والبهلة - كما قلنا - وهي ضراعة إلى القوة القاهرة التي تتصرف في الأمر لتنهى الخلاف ، ثم صار المراد بالمباهلة هنا مطلق الدعاء ، فنحن نقول : " نبتهل إلى الله " ، أي ندعو الله . إذن فالرسول صلى الله عليه وسلم جاءهم بالأمر المنزل من عند الله الحق بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ، لكنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : " أَنْظِرْنا إلى غد ونأتي إليك " . ثم أرسلوا في الصباح واحدا منهم ليرى ماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهل هو مستعد لهذا الأمر حقيقة ، أو هو مجرد قول منه أراد به التهديد فقط ؟ ووجد رسولهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء ومعه الحسين والحسن وفاطمة وعلي بن أبي طالب ، لذلك قالوا : " لا لن نستطيع المباهلة " ، والله ما باهل قوم نبياً إلا أخُذوا ، وحاولوا ترضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : " لنظل على ديننا ويظل محمد وأتباعه على دينه " لقد ظنوا ان الدعوة إلى المباهلة هي مجرد تهديد لن ينفذه الرسول ، لكن صاحب اليقين الصادق جاء ومعه أهله استعداداً للمباهلة ، ولن يُقبل على مثل هذا الموقف إلا من عنده عميق الإيمان واليقين ، أما الذي لا يملك يقيناً فلن يقبل على المباهلة بل لا بد أن يرجع عنها . وقد رجعوا عن المباهلة ، وقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم : لنتفق معاً ألا تغزونا أو تخيفنا على أن نرسل لك الجزية في رجب وفي صفر وهي من الخيل وغير ذلك ! لقد فروا من المباهلة لمعرفتهم أنهم في شك من أمرهم ، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان على يقين بما أنزل الله عليه وكان العرب إذا خرجوا إلى الحرب يأخذون نساءهم معهم ، لذلك حتى يخجل الرجل من الفرار ، وحتى لا يترك أولاده ونساءه لكيلا يذلوا من بعد موته ، فإن قُتِلَ قُتلوا معه هم أيضاً . إذن إن أردنا نحن الآن أن ننهي الجدل في مسألة عيسى عليه السلام فلنسمع قول الحق سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُنْ مِّن ٱلْمُمْتَرِينَ } [ آل عمران : 59 - 60 ] إنه الحق القادم من الربوبية فلا تكن أيها السامع من الشاكين في هذه المسألة . ومن أراد أن يأتي بحجة مضادة للحجة القادمة من الله فلنا أن نحسمها بأن نقول : { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] . ولن يجرؤ واحد منهم على ذلك . لماذا ؟ لأن السابقين عليهم قد فروا من المباهلة ولأن الله - سبحانه - يريد ان يزيد المؤمنين إيماناً واطمئناناً إلى أن ما ينزله على رسوله هو الحق قال - جل شأنه - : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ … } .